الأحزاب تبيع الخطاب، والشعب يشتري الوهم

د. ياسر اليافعي

الشركات التجارية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، تهتم بالتسويق. ونقطة ارتكاز التسويق الحديث هي معرفة ودراسة سلوك المستهلك. بل إنّ النظريات الحديثة تعتبر المستهلك رأس مالها الحقيقي؛ لذلك لا تسعى فقط للوصول إليه وإقناعه بمنتجها، بل إلى خلق ولاء لهذا المنتج.

في اليمن، فهمت الأحزاب السياسية هذه المعادلة مبكّرًا ودرست سلوك الشعب، ووصلت إلى خلاصة مفادها أنّ ما يؤثّر فيه هو الشعارات الدينية والثورية؛ لذلك تُحفِّز هذا المفهوم لديه، لا لتكسبه إلى صفّها فحسب، بل ليقاتل من أجل أن تبقى مصالحها.

لكن الفارق بين الشركات التجارية والأحزاب اليمنية أنّ المستهلك في الشركات يستفيد بقيمة ما يدفعه مقابل المنتج، بينما في اليمن فقط النخب السياسية وقادة الأحزاب هم من يستفيدون. وهناك فارق مهول بين أوضاع هذه النخب منذ الستينيات وحتى اليوم، وبين وضع المواطن البائس.

إذن نصل إلى خلاصة واضحة: المشكلة في اليمن هي في سلوك المواطن نفسه؛ عليه أن يغيّر تفكيره وسلوكه وألّا ينجرف خلف الشعارات الثورية والدينية التي أثبتت الأيام أنّ النخبة السياسية هي المستفيدة منها. وإن لم يغيّر الشعب سلوكه، سيجد نفسه يدور في الدائرة نفسها: فقر وجوع وحرمان وتشرد، بينما قادته يعيشون حياة رفاهية، وأبناؤهم يتعلمون في أرقى الجامعات، ثم يرثون فساد آبائهم ويحكمون ما تبقّى من شعبٍ مطحون.

لا أحد يطالب الناس بهجر قناعاتهم أو قيمهم؛ المطلوب فقط تنظيم العلاقة مع الشعار، أن يصبح وسيلة لا غاية، وأن تُقاس السياسة بميزان البرنامج والنتيجة لا الإيقاع والهتاف.

يوم نطالب بـ«فاتورة إنجاز» كما نفعل في السوق، سيتغيّر الخطاب تلقائيًا، وسيتراجع تجّار الشعارات خطوةً وراء خطوة، ليحلّ محلّهم من يضع قيمة ملموسة على الطاولة: خدمة تُرى، وعدٌ يُنجَز، وكرامةُ عيش تُصان. عندها فقط، يدفعُ الحاكم الثمنَ الطبيعيّ للحكم، ويحصل المواطن على المقابل الذي يستحقه: حياة أفضل.