الوضع الذي نعيشه اليوم في المنطقة العربية هو نتيجة تراكمات طويلة من الأخطاء، شارك فيها الكثيرون سواء كانوا أنظمة حاكمة او معارضة.
البداية كانت عندما تم تحريض الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، رحمه الله، على غزو الكويت. هذا الغزو كان أكبر خطأ في تاريخه، فتح أبواب المنطقة للتدخل الأمريكي والإسرائيلي بشكل غير مسبوق. في تلك اللحظة، كانت الجماعات الشيعية، بدعم من إيران، تنتظر الفرصة للاستيلاء على السلطة. لم تكتفِ إيران بمراقبة الأوضاع من بعيد، بل شاركت بفعالية مع الأمريكيين في احتلال العراق، مما ساهم في إذكاء الصراع الطائفي وتحويل العراق إلى بؤرة دائمة للصراع.
لكن لم تتوقف المخططات عند العراق؛ كانت الخطوة التالية هي إضعاف باقي الأنظمة العربية وإشعال الفوضى في المنطقة. هنا، وقع الاختيار على جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تتوق إلى السلطة ولها تواجد قوي في العديد من الدول العربية.
ومن الثغرات التي تم استغلالها تسلط أنظمة ديكتاتورية سعت إلى توريث السلطة، واستغلال الحكم لمصالحها الخاصة على حساب قضايا الشباب والمجتمع. هذا أدى إلى حالة من الاحتقان والغضب الشعبي، التي استغلتها القوى المعادية لتحقيق أهدافها وتفتيت المجتمعات. فبدلاً من توجيه الجهود نحو التنمية والتقدم، أصبح التركيز على الحفاظ على السلطة بأي ثمن، مما ساهم في تعميق الأزمات وزيادة التوترات الداخلية، وترك المجال مفتوحًا أمام التدخلات الخارجية.
دعموا ما سمي بـ”الربيع العربي”، لكن دور الإخوان في هذه المرحلة كان محدودًا. استخدموا لتنفيذ أهدافهم في ليبيا، مصر، اليمن وسوريا، ثم جاء القرار بالتخلص منهم بعدما أنجزوا المطلوب. بهذه الطريقة، ساهم الإخوان في إضعاف عدة دول عربية، مما خدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية بشكل مباشر.
أما إيران، فقد كانت تراقب هذه العواصف عن كثب. حيثما وجدت ثغرة للدخول، استغلتها بلا تردد. دعمت الفوضى وزرعت الطائفية بعمق أكبر، وأوجدت لنفسها أدوات في اليمن، العراق، سوريا ولبنان. هذا التمدد الإيراني لم يزد إلا من تعميق الخلافات العربية الداخلية، وأضعف الأمة العربية أكثر فأكثر.
وفي خضم كل هذه الصراعات والفوضى، تراجعت القضية الفلسطينية عن مكانتها المركزية في الوعي العربي. حيث أضعف هذا الصراع الداخلي التعاطف العربي مع فلسطين بشكل كبير، لنعود بالذاكرة إلى أيام انتفاضة الحجارة وما قبلها، حين كان حجم التضامن العربي مع فلسطين كبيرًا جدًا، وكان الدعم الشعبي والرسمي للقضية الفلسطينية ولمقاومتها وانتفاضاتها حاضرًا بقوة في كل الدول العربية. اليوم، للأسف، تحوّل الاهتمام إلى الصراعات الداخلية، وأصبحت فلسطين جزءًا من ملف أكبر من الأزمات.
في النهاية، كل هذه التراكمات خدمت مصالح إسرائيل وأمريكا. كل تلك الاحداث اوجدت حالة من الضياع والتيه في العالم العربي.
المواطن العربي أصبح مشغولاً فقط بتأمين لقمة عيشه واستقرار حياته، في حين أن الصراعات الداخلية استنزفت موارد الدول وأضعفت شجعانها ورجالها، والنتيجة؟ لا شيء ملموس.