fbpx
مشاركة الانتقالي .. أين المشكلة؟!

 

كتب – د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

نال الاجتماع الذي شهدته العاصمة عدن لما سمي بــ”الأحزاب والقوى السياسية اليمنية المؤيدة للشرعية”، نال القسط الأكبر من الجدل السياسي والصخب الإعلامي في معظم الصحف والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة خلال اليومين الماضيين، وتراوح الجدل والصخب بين مؤيد ومعارض للحدث، وبين مستبشر ومتشائم، وبين متشفي ومتشفي معاكس.

الاجتماع كان أشبه بورشة عمل نظمه ورعاه وموله مكتب المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي  (NDI)  في اليمن الذي اشتهر بتنظيم العديد من الفعاليات المشابهة في أكثر من عاصمة ومنها العاصمة اليمنية صنعاء أثناء فترة الاستقرار النسبي خلال الفترة 2000-2010م.

وتركز القسط الأكبر من الجدل والحملة الإعلامية على مشاركة المجلس الانتقالي في هذا اللقاء ، وقد زاد الطين بلةً والجدل اتساعاً ذلك البيان الصادر عن الهيئة السياسية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي ندد بعقد الاجتماع وكال له وللمشاركين فيه العديد من الاتهامات مصحوبةً ببعض الشتائم والمسميات الساخرة للأحزاب والقوى المشاركة في الاجتماع.

معظم إن لم يكن كل الكتابات والتصريحات والتعليقات والمواقف والتقييمات تناولت الحدث بمعزل عن الكثير من الملابسات والظروف والخلفيات السياسية والتاريخية، وبعمزل عن التفاعلات الداخلية والخارجية المؤثرة والمتأثرة بانعقاد اللقاء، سواءٌ منها تلك المتعلقة بما يسمى بالشرعية والأحزاب المؤيدة لها، أو ما يتعلق بموقف المجلس الانتقالي الجنوبي ومهمته الجوهرية الأساسية (القضية الجنوبية)، أو بدور العامل الخارجي الذي يقتص في غالب الأحيان جزءًا كبيراً من القدرة على صنع القرار المحلي المستقل.

المقاربة الموضوعية والواقعية للحدث وتداعياته تتطلب الوقوف عند حقيقة أن الحالة الازدواجية التي رافقت انعقاد الحدث أو التي تلته ما هي إلا انعكاس أو امتداد للحالة الازدواجية التي تكتنف كل اللوحة السياسية على الساحة اليمنية عموماً وعلى الساحة الجنوبية على وجه الخصوص وتتجسد هذه الازدواجية في التالي:

1. إن غالبية الأحزاب والقوى السياسية التي شاركت في الفعالية، هي قوى معادية علناً وبلا مواربة أو تردد للقضية الجنوبية ولتطلعات الشعب الجنوبي في الحرية وتقرير مصيره واستعادة دولته.

2. إن أهم حزبين وأكبرهما من المشاركين في الاجتماع كانا شريكين في حملة غزو الجنوب في العام 1994م وتدمير دولته، سواء بالتنظير الفقهي والتأصيل (الشرعي ) والفتوى الدينية أو بحشد الحشود وتجييش الجيوش من المليشيات والجهاديين من جماعات الأفغان العرب واليمنيين، أو من القوات المسلحة الرسمية وتوجيه كل هذه الفيالق لاحتلال الجنوب، وهما (اي هذين الحزبين) المسؤولان مسؤوليةً مباشرةً عن مواصلة سياسات النهب والسلب والتهميش والاستبعاد التي مورست تجاه الجنوب والجنوبيين وأخيراً القمع والتنكيل ضد الشعب الجنوبي وثورته السلمية، ثم حينما تضطر هذه الأحزاب إلى النزوح بعد أن “غلب الناهش على الطاهش” كما يُقال، لم تجد هذه الأحزاب من ملجأ تلوذ به إلا الجنوب الذي تقمع شعبه وتعادي قضيته وتشهر بنضالاته وتشوه بتاريخه وتمارس على أهله سياسات التجويع وحرب الخدمات حتى يوم الناس هذا.

3. إن أكثر من حزبٍ من تلك المحتشدة في عدن قد كان شريكاً للجماعة الحوثية في حربها الإجرامية على عدن والجنوب عام ٢٠١٥م وما صاحبها من عمليات إبادة جماعية وجرائم حرب، وما تزال خطابات قادتهما المتهكمة على الجنوب وأهله والمحرضة على الغزو والإجرام، والشامتة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ، ما تزال تنتشر على خدمة يوتيوب وبقية منصات التواصل الاجتماعي.

4. إن ما سماه البعض بالازدواجية في موقف المجلس الانتقالي الجنوبي لم يكن سوى نتيجة طبيعية للوضع الازدواجي في اللوحة السياسية على الساحة الجنوبية، وهذا الوضع لا يقتصر على المجلس الانتقالي وحده بل يشمل كل القوى التي شاركت في تلك الفعالية ، فكل الأحزاب (أو لنقل معظمها) تشارك المجلس الانتقالي في إدارة وحكم الجنوب، ويحتكر مستثمروها التصرف بالثروات الجنوبية والإقامة على الأرض الجنوبية، لكنها بنفس الوقت لا تترك فرصة إلا وتوجه كل الإساءات والشتائم والاتهامات لقيادة المجلس الانتقالي، بدءًا بالاتهام بمحاولة تمزيق اليمن، وانتهاء بتهمة العمالة أو التبعية للخارج وهي اتهامات يعلم كل من يتفوه بها كم هي جوفاء وخرقاء وزائفة.

4.  ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى بيان الهيئة السياسية المساعدة للانتقالي من زاويتين:

أ‌. الأولى وتكمن في موقف المجلس الانتقالي الذي هو موقف السواد الأعظم من النخب السياسية والثقافية والفكرية والمجتمعية والأكاديمية الجنوبية المندد بتحالف حرب 1994م وهذا التحالف هو الذي يهيمن على مجمل الدعوات ومحاولات تشكيل تلك التجمعات والتحالفات، التي بدأت في إبريل العام 2019م حينما أعلن عن ائتلاف القوى السياسية المؤيدة للشرعية والذي تولى رئاسته الدكتور رشاد العليمي قبل أن يصلح رئيسا يدير ارض الجنوب وشعبه وثرواته، وشاركت فيه تقريباً نفس القوى التي شاركت بالأمس في فعالية عدن وهي على العموم قوى لا تعير أي اهتمام لموقف الشعب الجنوبي ونضالاته وتضحياته ومطالبه وتطلعاته، إن لم تناصبه العداء السافر.

ب‌. ومن ناحية أخرى إن المجلس الانتقالي شريكٌ رئيسيٌ في تكون سلطة الشرعية، وهذه الشراكة لا تقتصر على عضوية الهيئات (مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء) بل في صنع السياسات وتنسيق المواقف وغيرها من الأمور البروتوكولية والعملية التي يقتضيها الانخراط ي الشراكة (أو هكذا ينبغي)، وبالتالي فإن التنديد بالاجتماع يفتقد إلى المنطق الموضوعي الذي يفترض أن يجعل موقف المجلس متناغماً مع منطق المشاركة في السلطة.

*       *        *

عندما سألتني مذيعة قناة بلقيس التلفيزيونية عن رؤيتي فيما إذا كان بإمكان المجلس الانتقالي الجنوبي أن يلعب دوراً داعماً في معركة استعادة الدولة من أيادي الحوثيين واستعادة العاصمة صنعاء، كان ردي أنه من الطبيعي ومن المهم أن يكون المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية شريكين في معركة استعادة العاصمة صنعاء إذا ما صدقت النوايا وتمت التهيئة لهذه المعركة بما يكفي، والكف عن التغني بها كشعار موسمي لتأكيد بقاء المتغنين به على قيد الحياة، وهذا الموقف قد سبق وأن أثبته الجنوبيون في معارك الساحل الغربي والاقتراب من تحرير مدينة الحديدة، كما في تحرير مديريات بيحان في محافظة شبوة،  وحريب في محافظة مأرب، لكن هذه مساهمة المجلس الانتقالي والقوات الجنوبية في تحرير صنعاء ينبغي أن تكون مرهونة بعدد من الشروط أهمها:

• أولاً إن تقر القوى السياسية الشمالية وأحزابها الرئيسية بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره بما في ذلك حقه في استعادة دولته الجنوبية بحدود 21 مايو 1990م

• ثانيا الاعتذار عن حرب 1994م على الجنوب وما ترتب عليها من آثار مدمرة على الجنوب ومستقبل أجياله ، وهذه الآثار هي اليوم ما يشكل اللوحة السياسية والاجتماعية والإنسانية للجنوب ومأساته التاريخية.

• ثالثاً الاعتذار عن فتوى الاستباحة التي كانت المبرر (الشرعي) لحرب 1994م وما ترتب عليها من آثار قاتلة ومن نهج سياسي تجاه الجنوب والجنوبيين ما يزال قائماً إلى اليوم.

وأنوه هنا إلى أن الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية لا يمثل اعتداءً من جنوبياً على أحد لا في الشمال ولا في غيره، بل إنه سيعني فيما سيعني استعادة الدولة الشمالية (الجمهورية العربية اليمنية)، وهذا الحديث  ليس تحليقاً في فضاء الأحلام الرومانسية بل إنه وضعٌ قائمٌ بكل المعاني والمقومات ولم يبق له إلا الاعتراف والترسيم .

فنحن في الواقع نعيش وضع الدولتين، (على افتراض أن الموجود في كلٍ من عدن وصنعاء دولة)، دولة في الشمال يديرها الشماليون، ودولة في الجنوب يديرها الشماليون أيضاً.

ففي الشمال شبه دولة متبلورة مكتملة الأركان، يديرها أبناء الشمال، من خلال الجماعة الحوثية، التي لا نتفق مع نهجها وأسلوبها وأهدافها لكنها تمثل دولة الأمر الواقع.

وفي الجنوب هناك ما يشبه الدولة تتميز عن دولة صنعاء بأنها تحضى بالدعم الإقليمي والدولي لكن كل هذا الدعم لم يمكنها من توفير ست ساعات متواصلة من خدمة الكهرباء.

بيد إن الدولة في الجنوب لا يديرها أبناء الجنوب بل يديرها السياسيون النازحون من مدن ومحافظات الشمال.

      *     *      *

إن للأزمة التي صاحبت وتلت اجتماع عدن جذوراً في مكان آخر هو الازدواج في وضع الجنوب نفسه وفي مواقف نخبته السياسية.

 إن الجنوب منطقة محررة بالنسبة للأشقاء الشماليين النازحين من مناطق سيطرة الحوثي، الذين يتحكمون في مصير الجنوب وحياة أبنائه، لكنه (أي الجنوب) ما يزال في حالة احتلال كما كان يوم 7/7 /1994م بغض النظر عن وجود قوات مسلحة وأمنية جنوبية، فالجنوب وأهله ما يزالون يُحكَمون بقوانين 1994م، ونهج 1994م وسياسات 1994م بل ومن قبل قوى غزو 1994مـ ومن هنا فلا قيمة للمشاركة أو عدم المشاركة أو الاحتجاج على المشاركة أو عدمه من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي في أية اجتماعات حزبية أو نخبوية أو أي شكل من أشكال الفعاليات التي ينظمها الأشقاء النازحون السياسيون.

وقد كان رأيي منذ البداية إنه على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يختار أحد الخيارين:

إما جعل المشاركة في سلطات الشرعية طريقاً لمعالجة معانات الجنوبيين والتخفيف من عذاباتهم وتحسين مستوى معيشتهم والخدمات المقدمة لهم، وإما الاعتذار عن المشاركة في هذه السلطة التي تلحق بالجنوب وبالجنوبيين كل أشكال التعذيب والأذى والإهانة والحرمان، وبالتالي العودة إلى الشارع الجنوبي، فلم يكن المجلس الانتقالي قط في أعلى مستوى من الجماهيرية والشعبية مثلما كان أيام التحامه بالشعب الجنوبي وجماهيره قبل أن يشارك صوريا في سلطة (الشرعية) غير الشرعية .

انهوا حالة الازدواج وبعد ذلك اعترضوا كما تشاؤون، وايدوا كل ما تشاؤون، ولا تفعلوا مثل ذلك الذي حرَّ علىنفسه أن يأكل من لحمة البقرة لكنه يشرب من مرقتها.