محمد الصلاحي
{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}صدق الله العظيم.
اليوم وفي الساعة الثالثة عصراً توقف قلب الاب صالح فاضل عن الخفقان وعقلة الكبير عن التفكير معلنا مغادرة دنيانا الفانية ولكن بصمت .. كان محاطاً بأبنائه وأحفاده ورفيقة عمرة .
وبوفاته اكتشفت كم هو محزن ان يكتب الأبن مرثية عن أبيه .. اذ انه حتى ليلة البارحة كنت استمتع في الحوار معه و استأنس بآرائه النيرة و اعيش لحظات جميلة وانا استمع منه لقصص صموده وصمود رفاقة وكفاحهم النادر وترفعهم عن الذات وتمسكهم باهدافهم الوطنية والثورية النزيهة .
وكانت تأسرني كثيراً فراسته وتاريخ مواقفه المبدئية الصلبة التي تبناها في منعطفات الحياة الصعبة والشاقة والشائكة .. كل ذلك جعلني أتقرب اليه كثيراً وأحبه اكثر وأستمتع في الحديث الدائم معه وأدمن الكتابه عن ذكرياته الجميلة والمثيرة حتى تملكني هاجس توثيق جزء من ذكرياته والتي كانت مزيج من التاريخ الإنساني والثوري والوطني المتنوع والغني بالدروس والعبر والنزاهة وهي تلك التي عاشها ومارسها وتعامل معها في خضم حياة زاخرة تنوعة محطاتها واحداثها وصناعها .
واليوم اقول لكم كم هو مؤلم وصعب أن اسكب مداد مشاعري المنكسرة لتقديمها لكم في صفحة سوداء تتزاحم مفرداتها بالرثاء والأسى وآيات الحزن . لقد كشفت لي تلك التجربة، أي تجربة الكتابة ولكن بنفس مصدومة ومنكسرة وحزينة، الكثير من تشوش افكاري ومحدودية قدراتي في انتقاء مفردات اللغة العربية التي تعكس حقيقة ما يعتمل في وجداني من الحزن العميق وبؤس المشاعر ..واعترف لكم إنّه حينما شرعت في الكتابة، أصبت بالذهول، واكتشفت وأنا أُفتِّش عن الكلمات التي تصف وتنصف قلبي المكلوم أنها قد انعدمت أو غادرت معاجم اللغة، وأن العبارات التي كنت يوماً على قناعة تامة بأنها كافية لوصف المصائب التي تسحق النفس البشرية، قد غدت اليوم – في صدمتي هذه – ناقصة وركيكة المعنى قليلة الدلالة وحتى خالية من الإحساس .
وتصيبني الحيرة والتردد كيف أكتب ؟ هل أكتفي بالرثاء أم أن أوظف الكلمات حتى تصف المكانة العالية التي استحوذ عليها الاب والرفيق والقائد والصديق الحبيب والجنرال صالح فاضل الصلاحي في قلبي وعقلي.
لقد تركني وتركنا جميعاً بعد هذا الرحيل المباغت، لأعيش بقية أيام عمري في فراغ رهيب تتلبد في سمائه سحبٌ كثيفة من الكآبة والتجهم، وأتجرع لحظة بلحظة الأسى الثقيل والحزن العميق على فراقه اذ انه حتى آخر نفس له كان معلمي ودليلي وسندي في الحياة.. ان ما يواسيني ويخفف من وطأة الفراق أنني مؤمن بقضاء الله وقدرة وعلى إدراك تام بأن ذلك قد كُتب له في صحف الأقدار، وتلك مشيئة رب العرش التي لا اعتراض عليها..و[كُلِّ من عليها فانٍ].. واحاول ان أطمئن نفسي بقوله تعإلى [إن الله مع الصابرين].
إذا سألتموني أن أحدثكم عنه وعن خصاله الحميدة ومناقبه وأعماله الفاضلة على مستوى الوطن والناس سأقول: إن شهادتي فيه مجروحة وأن عليكم أن تقرأوها في عيون من رافقوه وان تفتشوا عنها في قلوب من اختبروا شجاعته وصحة مواقفه .
لكن باقتضاب اقول انه بسبب سلوكياته الإنسانية الجميلة، ودفاعه عن الناس من تطرف الناس وشهامته ونبل أخلاقة ونكرانه للذات، وحبه الدائم للوطن وأن يعم الخير والأمن والسلام على كل الناس، أحبه كل من تعامل معه، فأعماله وسلوكياته تحكي الكثير عن الشجاعة والنقاء والنزاهة والتواضع.
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أنه وإن غادرنا جسداً، فإنه سيظل يعيش في ذاكرتنا وذاكرت الوطن وقلوب رفاقه ومحبيه.
ماذ أقول عن رحيلك يا ابي .. اقول ان رحليك هذا قد ترك في قلب ابنائك وأحفادك وقلبي غصة وندبة بارزة لن تمّحي ما بقى لي من العمر، وانك قد تركت فراغا في القلب لن نجد بعدك من يملئه،
أسأل الله أن يرحم الاب صالح فاضل الصلاحي وأن يبدله داراً خيراً من داره.. اللهم اغفر له وارحمه واسكنه في الفردوس الأعلى في الجنه.
ندعي إلى الله ان يلهمنا ويلهم أهلنا وكل محبيه في الوطن وخارج الوطن الصبر والسلوان
وإنا لله وإنا إليه راجعون..