fbpx
حينما يكون النجاح من الصفر

د.علي صالح الخلاقي

بمناسبة صدور كتاب صديقي الطبيب الأديب د.محمد صالح فاضل الصلاحي (حينما يكون النجاح من الصفر) أقدم هنا ما كتبته في تقديمي للكتاب:

قد يظن من يتصفح هذا الكتاب للوهلة الأولى أنه أشبه بعمل أدبي، قصصي، أبدعه مؤلفه من نسج الخيال، ولضرورة وجود البطل في أي عمل قصصي فقد صنع على هواه بطله الخاص الأثير والأقرب إلى نفسه، القادر على القيام بأعمال مميزة واستثنائية، مما قد يعجز غيره عن القيام بها بكل مواقفها المثيرة التي تشد القارئ إلى تتبع تفاصيلها الدقيقة، حتى جعل منه (بطلاً استثنائياً).
والحقيقة التي لا مِراء فيها أن أحداث هذه القصة التي أسماها مؤلفها (حينما يكون النجاح من الصفر- “قصتي مع أخٍ وإنسانٍ استثنائي”) واقعية بكل تفاصيلها، جرت على أرض الواقع، بين شقيقين، استثنائيين فعلاً..وهذا ما لا يخفى على كل من عرفهما وعايشهما، وعرف خلفية نشأتهما في كنف بطل استثنائي من أبطال زمننا، هو والدهما طيب الذكر، الفدائي والإنسان صالح فاضل حسين الصلاحي (عمران).
لعل من محاسن هذا العمل أنه قدَّم لنا شخصيتين استثنائيتين حقاً، هما البطل والمؤلف، من خلال سردٍ سلسٍ وجميلٍ لسيرتهما المتلازمة وأوجه الشبه في مواجهة وقهر الصعاب وصولاً إلى النجاح الذي حققه كل منهما بمثابرةٍ وجَلَدٍ عبر دروب ومسالك متعرجة، وهو ما سنتعرف عليه في هذا العمل الذي ما كان له أنه يظهر بدونهما معاً. فالأخ الاستثنائي (حسين صالح فاضل الصلاحي) هو البطل الواقعي وحوله تتمحور أحداث وتفاصيل وتشعبات هذه القصة، التي كشفت عن كاتب استثنائي وأديب لبيب، هو الطبيب الألمعي (الدكتور محمد صالح فاضل الصلاحي)، الذي سبق له أن درس الطب في بلغاريا ما قبل (الوحدة المغدورة) وعمل بعد تخرجه طبيباً في مستشفى باصهيب العسكري، ثم وجد نفسه بعد حرب احتلال الجنوب عام 1994م ضمن الكوادر الجنوبية التي تم التضييق عليها، فغادر مضطراً إلى أمريكا ليبدأ مرحلة جديدة في حياته وتخصصه مليئة بالصعاب التي ذللها بالجهد والمثابرة وبمساعدة بطل قصته، حتى استكمل تخصصه الطبي، وهو اليوم من أشهر أطباء المناظير في أمريكا، وقد سبق لنا أن تعرفنا عليه كاتباً مبدعاً، يتكئ على موهبته الأدبية من خلال مؤلفه المكرس لذكريات والده، الموسوم “ذكريات عمران ..المناضل والإنسان”، التي دَوَّنها وجَمَع محتوياتها ثم أعاد ترتيبها وصياغتها، دون تدخل في الأفكار والوقائع التاريخية، وقدمها لنا بلغة فصيحة، أظهرت أنه مثلما يجيد الإمساك بالمشرط والمنظار الطبي كطبيب ماهر ومشهور على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، فأنه متمكن أيضاً من الإمساك باليراع، وإجادة فن الكتابة بإبداع، وهذا ما تجلى للعيان، في سحر البيان، الذي أعاد صياغته بإتقان، وبرع بشكل خاص في إجادة الوصف، بما له صلة بتخصصه كطبيب، وهو ما لا يخفى على القارئ اللبيب.
وها هو مُجدداً يظهر لنا قدراته الأدبية كطبيب أديب وكاتب مبدع في هذا العمل الجديد، الذي بيَّن قدراته في الجمع بين التصوير الأدبي والتحليل النفسي والبعد الاجتماعي في عرض سيرة ونجاحات بطله الأثير إلى نفسه، أخيه الاستثنائي (حُسين) بأسلوب أدبي أخّاذ، حيث فجَّر كوامن موهبته الأدبية المخفية تحت عباءة الطبيب، وأطلقها من إسارها، وهو بذلك يقتفي سيرة كثير من الأطباء ممن أدركتهم حرفة الأدب فاشتهروا كأدباء أكثر منهم أطباء، وهناك كثيرون على امتداد التاريخ الإنساني ممن عرفانهم أدباء، أكثر من معرفتنا بهم كأطباء، أمثال الروسي أنطون تشيخوف، صاحب مقولة “الطب زوجتي والأدب عشيقتي”، والمصري إبراهيم ناجي، والسوري عبدالسلام العجيلي، وأخيراً علاء الأسواني طبيب الأسنان الروائي والقاص المصري،الذي أشتهر برواياته، مثل «عمارة يعقوبيان» و«شيكاجو».
وبما أن الإنسان هو محور وميدان الطب والأدب، فإن الطبيب الأديب يكون أكثر سبراً في أغوار شخصياته والتعبير عن معاناتها وآمالها وطموحاتها ونجاحاتها بأبعادها النفسية والاجتماعية والإنسانية، وهذا ما يتضح لنا جلياً في هذا العمل.
ومن دون ريب أنه ما كان لنا أن نعرف عن بطل هذه القصة الحقيقية، لو لم يقيض الله موهبة الإبداع الأدبي لمؤلفها الطبيب الأديب، الذي نتوقع أن نقرأ له أعمالاً قادمة وأن يضاف اسمه باقتدار إلى قائمة الأطباء الأدباء.
فها هو في هذا العمل يدفعنا لمتابعة سيرة بطله بشغفٍ واهتمامٍ كبيرين في جميع محطاتها، بما فيها من طموحات وانكسارات ونجاحات، تعكس تميز ذلك البطل وتفرده وجرأته على تفادي المخاطر وركوب الصعاب وثقته العالية في نفسه للوصول إلى الأهداف التي وضعها نصب عينيه، وهو وأن أخفق في أن يُحَلِّق في مقود قيادة الطائرة المدنية في سماء نيويورك- كما كان حلمه الأول- فأنه قد واجه التحديات التي اعترضت طريقه، ولم يتهيب اجتيازها أو يجعل منها عائقاً في شق طريق النجاح من الصفر في مجال المال والأعمال، وهي ميزة بارزة في شخصيته المثيرة، وتمكن بعصاميته وبثقته الكبيرة بنفسه وقدرته على إبقاء نفسه متحفّزاً ومندفعاً إلى الأمام يبذل كل ما بوسعه لاجتياز الصعاب والمخاطر والمثابرة والسعي الحثيث لتحقيق البدائل لأحلامه، حتى حَلَّق بنجاحاته في فضاء نيويورك ومن ثم في أكثر من مدينة أمريكية كأحد رجال الأعمال الناجحين وحصد النجاح تلو النجاح بأفضل صورة.
ومن أحداث القصة، نتعرف على تفاصيل كثيرة زاخرة بكل مثير ومفيد من العبر والدروس التي لا غنى لأجيالنا في المهجر الأمريكي، وبقية المهاجر، للنهل منها حتى لا يفقدوا صلتهم بالقيم والأخلاق الحميدة والتقاليد الأصيلة وروح التعاضد والتكافل الأسري، التي جسدها البطل في مواقف الإيثار والحب للآخرين لإسعادهم والتضحية من أجل مساعدتهم والأخذ بأيديهم لتحقيق النجاح، وفي المقدمة منهم أهله وإخوانه، وعلى رأسهم مؤلف هذا الكتاب، الذي واصل تخصصه الطبي ونبغ فيه بدعم من أخيه المثالي، الذي قال له منذ البدء “إن نجاحك هو أجمل استثمار لي في أمريكا”، وكان محقاً في أن حقق من خلاله ما كان يرجوه لنفسه، وما هذا العمل الإبداعي إلاّ عبارة عن رد الجميل من الطبيب النبيل لأخيه الشهم والكريم، الذي يقدمه نموذجاً إيجابياً لمن يريد أن يشق طريقه متسلحاً بالإصرار والتحدي للوصول إلى النجاح في مجتمع جديد يأخذ منه ما يفيد، دون الانسلاخ عن قيمه النبيلة التي تشربها منذ طفولته وكانت عوناً له ومحفزاً في مسيرة نجاحه، بل ومحل تقدير كل من عرفه حتى من غير أبناء جلدته، كأسرة المحامية النيويوركية الشقراء التي انبهرت بشخصيته وتعرفت من خلاله على ثقافة الشرق التي تجهلها.. وهنا نجد قواسم مشتركة بين المؤلف وبطل قصته من حيث حمل وتكريس ونشر القيم النبيلة والأخلاق الحميدة وروح الإصرار والثبات لبلوغ مراتب النجاح، وكذا في إيصال رسالة الشرق وتصحيح المفاهيم المغلوطة أو المجهولة عنه وغرسها في عقول ووجدان أبناء المهاجرين.
لقد حقق المؤلف في عمله الأدبي هذا هدفين وضعهما نصب عينيه منذ البدء، الأول: الوفاء لصاحب الوفاء، وهو ما ألزمه رد الجميل عرفاناً وتقديراً لعضده وسنده، شقيقه حسين، صاحب الفضل المبين، فيما وصل إليه من مكانة وتمكين، في تخصصه الطبي الثمين، فعكس بذلك تواضعه ولين جانبه ونبله في رد الوفاء.
وثانياً: تقديم النموذج الإيجابي للشهامة والإخلاص والوفاء بين البشر، والمدافع الشرس عن الحق.. وهو ما أفصح عنه بإيجاز في قوله:
“حسناً سأروي لكم قصتي مع الأخ والإنسان الاستثنائي..إنَّها قصة الأخ الذي بأعماله ومواقفه الجميلة عمَّق أكثر في وجداني مبدأ أن الأخوَّة هي عصب العلاقات الأسرية والاجتماعية وتشكل النواة الأولى للتعاضد والنجاح في التغلب على صعوبات الحياة في أي زمان ومكان، وأن علينا أن نحافظ عليها حتى لا تضمر او تضعف أو تضيع في زحام نجاحات وبهرجة ومغريات الحياة العصرية..إنه النموذج النقي والراقي للإنسان الشرقي المحافظ على أصالته، وإنها القصة التي افتخر في تقديمها لكم ولكل من يبحث في هذا الزمن عن نموذج من نماذج الشهامة والإخلاص والوفاء بين البشر”.
أما المشجع الأكبر لنشر هذه القصة فهو الاستحسان الذي قوبلت به حلقاتها، منذ أن بدأ نشرها كاتبها الصديق الطبيب الأديب د.محمد صالح فاضل الصلاحي في صفحته بالفيسبوك، من قبل المتابعين الذين ظلوا مشدودين لكل حلقة من حلقاتها الثمان والثلاثين، التي كانت بالنسبة لهم أشبه بمسلسل غير مرئي، يتابعون أحداثه وأشخاصه وكأنهم يتجسدون أمامهم بشحمهم ولحمهم، وهو ما عبروا عنه في آيات الإعجاب والثناء من خلال تعليقاتهم، التي طالبت المؤلف بضرورة نشر هذه القصة الحقيقة المؤثرة والملهمة في نفس الوقت، التي سيكون لها صدى أكبر، وقبولاً أوسع.
ختاماً أقول: إن من الأهمية بمكان ترجمة هذه القصة إلى الإنجليزية، ليس فقط لكون أحداثها وشخصوها جرت على الأرض الأمريكية، بل ولأنها تخاطب العقول، للوصول إلى النجاح المأمول، مع تكريسها لقيم تعايش البشر والثقافات، وتقديم المفيد من الدروس والعبر لمن يريد أن يقتفي الأثر، من أجيال المهاجرين العرب، سواء في أمريكا أو في بقية بلدان الغرب.