fbpx
«استنى يا فيصل»

هاني مسهور

نعم «استنى يا فيصل»، فهذه لحظة تأمل تستحق النظر إليها بكثير من الاهتمام، وهي التي جاءت في سياق استضافة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على منصة القمة العالمية للحكومات 2023، والتي حملت عنواناً رئيسياً «استشراف مستقبل الحكومات». ولعل الأستاذ فيصل بن حريز كان بارعاً للغاية، وهو يضع للرئيس السيسي سؤاله الأول مباشراً عن استشراف مصر، وهي قلب العالم العربي للمستقبل.
وكانت الإجابة الممتدة للسيسي كما يجب أن تكون فيما اعتادت عليه الشعوب العربية منه كشخصية سياسية معاصرة لها أسلوبها المختلف في وضع التصورات للقرارات السياسية والاقتصادية لبلاده وللمنطقة والعالم، وهنا لا بد وأن نقف عند «استنى يا فيصل».

منذ ظهور السيسي في المشهد السياسي المصري عند خطابه التاريخي يوم 3 يوليو 2013 في أعقاب الثورة الأكبر في التاريخ القومي العربي 30 يونيو 2013، كشف الرجل عن توجه غير مألوف في التخاطب الرسمي مع المجتمع المحلي وحتى على مستوى المنطقة العربية، فلقد انتهج نهجاً مغايراً لما كان منذ ظهرت الدول الوطنية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، فما تشكل من ثورة الضباط الأحرار عند 23 يوليو 1952 من ميلاد للنظم العربية بجلاء الاستعمار الأجنبي كان شكلاً مختلفاً تطلب خطاباً سياسياً لا يكاد يتغير خاصة عن الأنظمة الجمهورية التي اعتادت تقديم خطاب آحادي من القيادة السياسية على أن تتولى الحكومات وعبر الوزراء والقيادات الحزبية والمجتمعية تفنيد الخطط العامة للدولة.

على مدار عقود مضت لم يتبدل الأسلوب، حيث تتولى الصحافة ووسائل الإعلام الوطنية والقومية التعبئة العامة للتوجهات السياسية حتى جاء السيسي بتقديم نمطية مختلفة تماماً، فهو في كل مناسبة متاحة يقدم تصورات شاملة وعميقة للقرارات السياسية والاقتصادية للشعب المصري، وقد عاصر الناس هذه التجربة الفريدة باهتمام بالغ نظراً لملامسة الواقع الذي تخوض فيه المجتمعات العربية عموماً، وتحديداً المجتمع المصري الذي اطلع على تفصيلات دقيقة لتحديات جسيمة مرت بها البلاد بداية من مكافحة الإرهاب وتجاوز الأزمات الكبيرة التي خلفتها تركة جماعة «الإخوان» في العام الذي اختطفت فيه السلطة وتأثيراتها الإدارية والمجتمعية، وكيف وضعت القيادة السياسية رؤيتها للمعالجات دون انتظار لتبريرات وزارية.

نجاح أو فشل الخطط الحكومية أمر محكوم بظروف الوقائع غير أنها تظل تبقى محاطة بمعلومية الناس المعنيين بها مباشرة، ولذلك بدت هذه المكاشفة تحمل شكلاً معاصراً يظهر أهمية التفاعل مع تصورات الدولة وأهدافها، وهو ما كان مغيباً وغائباً عنهم، أيّ الناس الذين كانوا في السياسات مغيبيين عن مدى ما يجب عليهم تحمله وفقاً لتوقعاتهم، فمثلاً ما جاء به الرئيس السيسي حول العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة كان مبرراً للمشروع الكبير الذي سيستوعب ملايين السكان والمدينة النموذجية من مدن الجيل الرابع في المنطقة العربية.

تصورات المشروع الواضحة تكشف للمجتمع لماذا جاءت مشاريع مرافقة من تطوير العشوائيات وإنشاء الجسور والطرق وغيرها من مشروعات البنية التحتية التي لم تعرفها الدولة المصرية منذ عقود. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وضع تصورات للمجتمع حول القرارات أسهم في استيعاب الواقع وما يجب على المجتمع التفاعل معه بطريقة سليمة.

وعلى ذلك استوعب المصريون واجباتهم في أثناء استئصال الخلايا الإرهابية، واجتازوا جائحة كورونا، وغيرها من التحديات التي مرّ بها الشعب المصري في العقد الذي تلى العهد السياسي الذي يشكل في واقعه ميلاداً للنظم السياسية العربية ذات الحكم الجمهوري والتي عليها أن تعي أهمية المكاشفة وإشراك شرائح المجتمع فيما تذهب إليه الخطط المرسومة، وتبقى النجاحات مرهونة بكثير من الانضباطية التي سيكون فيها الشعب جزءاً من النجاح، وليس أن يتحمل الإخفاق دون معرفة لمسببات التعثرات.
الرئيس السيسي يقدم نفسه كما هي مصر التي ألفناها كعرب رائدة التحديث والتغيير، وعلى ذلك من المهم للغاية استلهام القالب المصري لما حقق على الواقع السياسي والاقتصادي، فلذلك «استنى يا فيصل»، فهناك تجربة تحُكى وتستحق أن يُنصت لها.