fbpx
من اتحاد الجنوب العربي، إلى جمهورية اليمن الجنوبية.

 

كتب/ علي عبد الله البجيري
خمسة وخمسون عاما تفصلنا عن مرحلة اتسمت بالاستقرار الاقتصادي وترابط النسيج الاجتماعي . أتحدث هنا عن مرحلة كان فيها العدل والمحاكم والقضاة الاكفاء والقانون هو السائد، هذه هي مرحلة دولة اتحاد الجنوب العربي الذي جمع سلطنات ومشيخات الجنوب مع ولاية عدن.
هكذا مضت 55 عاما ونحن نتخبط ، لم يبقى لنا من ماضي الزمن الجميل غير الذكريات، أما سنوات ألألام والاوجاع والتخلف عن ركب التطور فإنها لاتزال تلاحقنا، انها اوجاع مرحلة من مراحل تاريخنا،وإحباطات الحاضر المؤلم وتطلعات المستقبل المجهول، فهل من وقفة صادقة نبحث في ماذا حدث لنا ولماذا وإلى أين نحن ذاهبون؟!
جاء الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967 بعد كفاح وتضحيات جسام ليشكل مرحلة جديدة في حياة شعب الجنوب بعد اعوام من النضال، اثمر ولادة دولة جديدة ، سميت جمهورية اليمن الجنوبية، تلك الدولة التي حلت بديلا  لدولة  “اتحاد الجنوب العربي ” أما الاستعمار البريطاني فالكل ناضل ضد تواجده وإخراجه من ارض الجنوب. أقول ذلك وقلبى على العاصمة الجميلة “عدن” الذى كانت ملاذًا آمنا للاستثمارات العالمية، ووصفت حينها بانها احدث وأجمل عاصمة في الشرق الاوسط في زمنها الجميل.جاء الاستقلال وعانى الجنوب من الصراعات المتواصلة والخلافات المحتدمة بين طبقةٍ من السياسيين. فمنذ الايام الأولى للاستقلال والجنوب ينزف دمًا، كما شهد خلالها حروباً أهلية بين تيارات الرفاف. من نتائجها ان تدهور الاقتصاد وتوقفت حركة التجارة بعد ان كانت بلادنا مركز إقليمي ودولي للتجارة العالمية ولحركة الترانزيت عبر ميناء عدن ومطارها الدوليين .. انه الاختراق الاستخباراتي الذي كان مهمته أذكى الصراع بين رفاق نضال التحرير ، وتغلب المصالح والاحقاد والكراهية على الاخوة والوطنية. ثم جاءت ” وحدة النفق المظلم للبيض ” دون حساب للعواقب والتاريخ ،ولا اخذ رأي شعب الجنوب،مما سمح لهم يُكملوا التدمير للأرض والانسان ، وفرض الاعراف القبيلة المتخلفة وإغلاق دور العلم والثقافة من مسارح ودور السينما وانتشار البناء العشوائي والفساد بكل انواعه، وتدني مستوى التعليم ،تبعه غزو همجي، استفز واستنهض الهوية الجنوبية واعاد الحسابات، ليقول أبناء الجنوب يكفي إلى هنا ، ولابد من وقفة وطنية تعيد الأمور إلى نصابها، واستعادة دولة الجنوب، الذي قال فيها الزعيم جمال عبد الناصر رحمة الله عليه وهو يرد على عبد الله جزيلان رئيس وزراء الجمهورية العربية اليمنية عام 1966م الذي طالبه بتسليمه الجنوب بعد استقلاله ” ليس من حقي أسجل ملكية أرض الجنوب العربي باسم اليمن فشعب الجنوب حُر في وطنه”.
إنه الجنوب ياسادة، أرض الآباء والاجداد، ارض المثقفين ورجال العلم والسياسة والإعلام والأدب والثقافة، انه وطن المناضلين والثوار الحالمون بدولة النظام والقانون دولة مستقلة يعمها الامن والسلام والتطور والرفاهية.
على هذه الخلفية تضل مدينة عدن ومينائها الإستراتيجي رمزًا محمي بجبال عدن الشامخة، بما يشير إلى أن الله عز وجل قد حبا الجنوب بهذا التميز الاستراتيجي، حتى أننى أظن أحيانًا أن ما تعرض ويتعرض له الجنوب هو نتيجة حقدٍ من دول “الاقليم” الذي لا تريد لبلادنا سلامًا أو استقرارًا. وهاهو شعبنا الأصيل يعانى ظروفًا اقتصادية موجعة وصلت حد المجاعة مع انخفاض لقيمة العملة فضلاً عن انعدام الكهرباء، وانتشار الأمراض وتردي الخدمات، حالة قلق تجاه مستقبل يكتنفه الغموض والتدخلات الأقليمية الضاغطة والاستهداف من جانب قوى الإرهاب التي لاتريد للجنوب أن يظل رمزًا شامخًا فى عروبته وازدهاره.. ونحن نتحدث اليوم عن جنوبنا الذى نرجو له أن يتعافى ليستعيد تاريخه ويسترد شعبه مظاهر شهرته التجارية وعلاقاته بالعالم المتحضر، فإنني أسجل هنا الملاحظات التالية:
أولاً: إن هدف إستعادة الدولة الجنوبية لن يتحقق الا على أيدي ابناء الجنوب انفسهم،  من خلال وحدة الصف والموقف، ومن يتصور غير ذلك فهو واهم. لذلك نحن نراهن على الحوار الجنوبي لرأب الصدع ولم الشمل دون إقصاء لأي مكون جنوبي، فالحوار الجنوبي الجنوبي هو طريقنا والمخرج الوحيد للوصول إلى ميثاق عمل وطني وتشكيل قياده مشتركه تتمثل فيها كل المحافظات الجنوبية.
ثانياُ.. لاينكر إلا الجحود بأن دولة الاستقلال الجنوبية ورغم ما حدث من اخطاء وصراعات،لكنها وللتاريخ عملت ومنذ السنوات الأولى للاستقلال على بناء مؤسسات وطنية اقتصادية وعسكرية وثقافية وصحية وتعليمية على كل أراضي الجنوب من المهرة إلى باب المندب رغم شحة الإمكانات.
ثالثاُ: خمس وخمسون عاما مضت، ولازلنا نعشق الماضي بكل ما فيه من تطور واستقرار، فانه مرآة للحقيقة. فمن يهضم الماضي بطريقة خاطئة يتقيأه المستقبل. “نحْن نحِنٌ لجمال الماضي هروبا من بشاعة الحاضر وعتامة المستقبل”. وكما قال الكاتب صادق الأسدي ” لو استطرقنا شطرا من الماضي بكل جوانبه نجده صورة جميلة تتجلى فيها ابسط معاني العيش واعذب المشاعر الانسانية “.
ختاماً.. سيظل الجنوب عصيًا صامدا قادرًا على المواجهة ولاشك أنه سيتجاوز هذه المرحلة المفصلية والصعبة من تاريخه.وإستعادة دولته بكل جدارة.
كل عام وانتم بخير بني وطني الكرام.