fbpx
أمين الكلدي..شاعر مبدع يتفوق على سنوات عمره

علي صالح الخلاقي:

من خلال اهتمامي بجمع وتدوين الموروث الشعبي اليافعي أجد نفسي منبهراً أمام نماذج رائعة وكثيرة من الأشعار الشعبية لشعراء شباب، ممن يملكون الموهبة الشعرية ومنهم هذا الصوت الشعري الواعد “أمين الكلدي” الذي سبق لي أن تعرفت عليه في فعاليات المهرجان الأول للشعر الشعبي الذي نظمته وزارة الثقافة صيف 2007م برعاية كريمة من معالي الوزير د. محمد أبو بكر المفلحي وشارك فيه شعراء شعبيون من مختلف المحافظات، وكنت أحد أعضاء لجنة التحكيم الثلاثة، فقد لفتت انتباهي حينها مساهمة هذا الشاعر التي فرضت نفسها بجودتها على لجنة التحكيم لتكون ضمن المختارات الشعرية الجيدة، وشددت حينها على يديه مشجعاً ومتمنياً له المزيد من الإبداع والتألق، مسنوداً بموهبته الشعرية الواضحة.
شاعرنا الشاب أمين الكلدي من مواليد 15 مايو 1983م في قرية “آل عياش” الواقعة في وادي “سطحان” في كلد – يافع، وينتمي إلى قبيلة “المناصرة” فخيذة “العتشي”، وفي مسقط رأسه عاش طفولته وعشق الشعر وردده في المناسبات المختلفة التي يكون الشعر الحاضر الأكبر فيها، وتأثر بمحيطه الشعري مدفوعاً بموهبة تستفزه لقول الشعر منذ وقت مبكر، خلال سنوات دراسته في المرحلة الابتدائية ثم في مرحلة الثانوية العامة التي توقف عن اتمامها بعد الثاني ثانوي، حيث التحق في القوات المسلحة التي يعمل فيها جندياً في الحرس الجمهوري. ورغم انقطاعه عن التعليم قبل أن يكمل الثانوية العامة، إلاَّ أنه تعلم ولا زال يتعلم الكثير في مدرسة الحياة، ينهل من ينابيعها وينغمس في أحداثها، متكئاً على ثقافته الذاتية، التي ينميها بالقراءة المستمرة والإلمام بالموروث الشعبي والاطلاع على التاريخ اليمني والعربي واستلهام رموزه وشخصياته التاريخية وتوظيفها في إبداعه الشعري، الذي أخذ يتبلور ويتشكل مكوناً شخصيته الشعرية التي سيكون لها شأن في قادم الأيام.
وها أنا أسعد بتقديم هذا الشاعر الواعد، القادم من مرتفعات الشموخ والإباء في “سرو حِمْيَرْ”، سليل مدرسة الشعر الشعبي اليافعي، من خلال باكورة أعماله الشعرية التي اختار لها اسم “غزير المعاني” وفيها يتحفنا بروائع من جميل شعره في موضوعات متنوعة تضم الغزل العفيف والحكمة والمعاناة والفخر والمدح والوصف والمساجلات وغيرها. وقد لخص مضامين هذه المجموعة في قصيدة تصدرت المجموعة وحملت اسمها، يقول فيها:
في كتابي تجد وصف الزمن بالثواني
تابع أبيات شعري تكتشف كل مكنون

حب، إعجاز، حكمة،مساجلات وأغاني
والرثاء والزوامل والعناء والمعانون

فيه أحكام مصحوبه بروعة بياني
صالحه أن تكن للدهر منهج وقانون

والغزل فيه متفرد بوصف الغواني
بل وتفسير لوعة كل فاتن ومفتون

ويمكن القول أن الشاعر أمين الكلدي من خلال هذه البدايات الشعرية قد تفوق كثيراً على سنوات عمره التي لم تتجاوز بعد 25 عاماً، بل أن له قصائد قالها وهو في الخامسة عشرة من عمره، كما في مساجلته مع صديقه نشوان الجعوني، وفي جميع أشعاره التي نظمها خلال عشر سنوات من رحلته الإبداعية، يظهر فيها شاعرنا الشاب أكبر من سنه، ومن يقرأه يظن للوهلة الأولى إنما يقرأ لشاعر مخضرم أكبر بكثير سناً وتجربة، عركته الحياة وظفر منها بخبرات كثيرة نسجها بقوالب شعرية وأودع فيها تجارب حياتيه موحية وتباريح هوى وأشواق وحنين وعلاقات إنسانية وحكم ومواعظ ونصائح تفيض بالعبر والدروس. وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على أن شاعرنا يمتلك ناصية الشعر، فهو شاعر مطبوع بالفطرة، رضع الشعر وتذوقه منذ صباه في بيئته اجتماعية تتنفس الشعر وتجل الشعراء وتشتهر بكثرة شعرائها المجيدين. ومنذ طفولته بدت فيه علامات النبوغ، حيث كان يحتل المرتبة الأولى في جميع المراحل الدراسية، وكان يحفظ الكثير من الأشعار والأغاني ويرددها في مجالس الكبار بأسلوب ينم عن مقدرة وجرأة في الإلقاء وبثقة عالية في النفس، بل وكان يشارك في قول الشعر في المناسبات والأعراس ويصاحب فرق الغناء. وأتخيل أن نضوج الشاعر المبكر لم يكن ليتحقق دون الإطار الاجتماعي الذي جعل منه شاعراً يشق طريقة بثقة واقتدار ويبسط بأشعاره سلطته على قلوب المعجبين بشعره، وأزعم إنني أحدهم، وستؤكد الأيام أن هذا الاسم الشعري الواعد سيفرض مكانته اللائقة به في دوحة الشعر الشعبي اليمني بجدارة واقتدار.
*****
من تقديمي لديوان الشاعر أمين الكلدي (غزير المعاني) الصا\ر 2009م.