fbpx
إعادة بناء الدولة .. تنازل أم انفصال… ؟ بقلم / د.عبد الرحمن أحمد المختار
شارك الخبر
إعادة بناء الدولة .. تنازل أم انفصال… ؟ بقلم / د.عبد الرحمن أحمد المختار

 

 تُعرّف الدولة بأنها” مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ، ويخضعون لسلطة سياسية محددة.

من هذا التعريف يتضح أن الدولة تقوم على أساس توافر ثلاثة أركان هي الأفراد ، والإقليم،  والسلطة السياسية ، ومن ثم فإن تبلور هذه الأركان الثلاثة بشكل واضح يعني وجود الدولة ، والأصل أن الحديث عن بناء الدولة يسبق وجودها، وينصب على أركانها فيتحدد قوام شعبها وإقليمها وفقا لأسس وعوامل متعددة ، وتقوم سلطتها السياسية لتمارس وظيفتها على إقليمها وسكانها، وبتطبيق ما سبق على حالة اليمن يتأكد أن أركان الدولة قائمة وموجودة، فما جدوى الحديث عن إعادة بناء الدولة خصوصا وأن أركانها قائمة مبنية ؟ وهل يعني إعادة بناء الدولة إضافة شيء جديد إلى أركانها أو أي منها كزيادة مفترضة إلى ركن الإقليم وبسط سيادة السلطة عليه ؟ أو زيادة مفترضة إلى قوام سكان هذا الإقليم ؟ أم أن الأمر يتعلق بالتنازل عن جزء من ركن الإقليم وانحسار سيادة السلطة عن هذا الجزء؟ أم أن الأمر يتعلق بانقسام ركني الإقليم  والسكان  لنصبح أمام بناء جديد للدولة  وفقا لهذا التساؤل؟

إن الحديث عن إعادة بناء الدولة يكون مجديا ومعقولا ومقبولا في حال عدم اكتمال أركانها أو أحدها، فالحديث عن بناء الدولة في زمن الإمام يحيى (رحمه الله) أمر مقبول لأنه في ذلك الحين كانت اليمن تعد جزء من الدولة العثمانية ولم تكن مستقلة بذاتها بسكانها وإقليمها وسلطتها السياسية ، ومن ثم فقد تطلب انتهاء الوجود العثماني في اليمن إعادة بناء الدولة لتعلق الأمر  بالجوانب الجغرافية والديمغرافية والسياسية ، فبناء الدولة في هذه المرحلة تطلب تحديد النطاق الجغرافي للدولة اليمنية والسكان الذين يقطنونه ، والسلطة السياسية التي تمارس السيادة على هذا النطاق .

وكذلك الحال يمكن الحديث عن إعادة بناء الدولة عقب رحيل الاستعمار البريطاني عن جنوب اليمن

إذ سينصرف الحديث عن بناء الدولة حتما إلى أركانها الثلاثة الإقليم والشعب والسلطة السياسية لأنها كانت في ذلك الحين كانت جزء من مستعمرات الإمبراطورية العظمى، وكذلك الحال بالنسبة لسلطتها وسكانها ، والحديث عن بناء الدولة يكون صائبا أيضا إذا كان مصبا على الحدث الكبير الذي شهده اليمن في بداية التسعينات من القرن الماضي حين قرر اليمنيون في 22 مايو 1990 بناء دولة جديدة على أنقاض الدولتين الشطريتين باعتبار أن البناء الجديد للدولة اليمنية انصب على أركانها الثلاثة فاتسعت رقعة الإقليم ، وأزداد عدد السكان ، وبالتالي امتدت سيادة السلطة السياسية  لتشمل النطاق الجغرافي للبناء الجديد .

إذاً فالحديث عن بناء الدولة  في الحالات السابقة هو حديث صائب لتعلقه بتغييرات جوهرية في إقليم الدولة وسكانها وسلطتها السياسية ، وما يجري الحديث والترويج له اليوم عن إعادة بناء الدولة لا علاقة له بالمضمون الحقيقي لبناء الدولة الذي يقوم على أساس تشييد أركانها من جديد ( كما يسعى له أكراد سوريا وتركيا والعراق وإيران) أو التعديل بشكل جوهري في هذه الأركان ، وما يجري من حديث اليوم لا ينصرف إلى الإقليم ولا إلى السكان ولا حتى إلى السلطة السياسية التي تعد قائمة رغم ما يشوب وظائفها من اختلال ، وفي كل الأحوال فإن تغيير الأشخاص لا يعني تغييرا في ركن السلطة فأن يذهب أشخاص ويأتي آخرون لا تأثير له على ركن السلطة،  فالأشخاص هم مجرد معبرين عنها ، وليسوا السلطة ذاتها ، بل حتى وإن تغير شكل السلطة من ملكي إلى جمهوري – كما حصل في ستينيات القرن الماضي في شمال اليمن أو العكس-  فلا تأثير لذلك على ركن السلطة ناهيك عن ركني الإقليم والسكان ، وبمعنى أخر فإنه لم يترتب على ثورة 26سبتمبر إعادة بناء الدولة في ذلك الحين لان الدولة قائمة بجميع أركانها ، وما تم لا يعدو عن كونه تغيير للأشخاص المعبرين عن السلطة، وليس تغيير لركن السلطة ذاته.

والحديث عن بناء الدولة والحال هذه لا يخرج عن فرضيتين كلاهما على درجة كبيرة من الخطورة:

الأولى: أن الترويج لإعادة بناء الدولة يقصد منه  شرعنة بيع الحكام لجزء من إقليم الدولة اليمنية بسكانه  للجارة السعودية ، ومن ثم يعد الاتفاق في مؤتمر الحوار على صيغة إعادة بناء الدولة اليمنية متمما لاتفاق التفريط في الأرض اليمنية ومشرعنا له خصوصا وأن السعودية تدرك تماما أنها مارست على حكام اليمن الابتزاز بجميع صوره لضم جزء من إقليم الدولة اليمنية إلى أراضيها، وهي تدرك أيضا أن من وقعت معهم اتفاق اقتطاع جزء من إقليم الدولة اليمنية ليسوا مخولين بالتنازل عن  هذه الأرض ، وهي تدرك أيضا أن  التنازل عن الأرض اليمنية من جانب ممثلي السلطة في ذلك الحين ليس كافيا بحد ذاته ، وأنه كان يلزم لإتمامه استفتاءا شعبيا أو انقضاء فترة طويلة من الزمن تُنسي اليمنيين أرضهم وإخوانهم ، ولان الاستفتاء أصبح متعذرا ، وطوفان التغيير متحركا، أزداد يقينها أن الشعب اليمني لن يسكت طويلا وسيعمل على استرداد ما سُلب منه ، لذلك وبعد أن ألقت المملكة طوق النجاة لمن باعوها الأرض اليمنية تأمل في أن يساعدوها ومن خلال حوار صوري يخرج بالاتفاق  على إنجاز ما يسمى بإعادة بناء الدولة لرسم جغرافية وديمغرافية اليمن وفقا لما تحت يد السعودية الآن، وليقال لا حقا أن هذه هي دولة اليمن  التي أعاد بناءها  ابناءها في مؤتمر حوارهم الوطني، خصوصا وأن خارطة اليمن التي تمثل شعار هذا المؤتمر تحدد  بوضوح النطاق النهائي لليمن جغرافيا وديمغرافيا ، وهو ما يعني الإقرار بهذا النطاق من جانب المتحاورين، وبالتالي ليس لمن يأتي بهم الحوار الوطني في المرحلة القادمة كحكام لليمن أن يثيروا مسألة الأرض اليمنية ، كما أن الأجيال القادمة ستنسى وفقا لتصور المملكة قصتها مع الأرض اليمنية إذا ما تم تلقينهم في المدارس والجامعات جغرافيا وتاريخيا حدود اليمن الجديد ، وبذلك يكون الحديث عن إعادة بناء الدولة في محله لأنه تعلق بتغييرات جوهرية في ركني الدولة الإقليم والسكان ، وقد يكون أغلب من يردد عبارة إعادة بناء الدولة في مؤتمر الحوار وخارجه حسن النية، في حين أن البعض قد لا يكون برياً من العمل على تكريس واقع جديد يخدم الجارة السعودية .

الفرضية الثانية : تقوم على أساس أن الحديث عن بناء الدولة اليمنية الجديدة يرتبط بالعودة بالبلاد الى ما قبل 22مايو 1990 باعتبار أن من مقتضيات إعادة بناء الدولة إعادة النظر في إقليمها وسكانها وسلطتها السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى استعادة دولة الجنوب بإقليمها وسكانها وسلطتها السياسية، وعودة دولة الشمال بإقليمها وسكانها وسلطتها السياسية، وقد يكون بعض المتحاورين مدركا لهذه  الفرضية ، يريدها ويرتب لنتيجتها، في حين قد لا يعني  أغلب المتحاورين إلا ما يحصل عليه من دولارات معدودات .

ولكل ذلك ندعو المتحاورين إلى أن يوجهوا حديثهم وجهودهم نحو إعادة بناء السلطة السياسية للدولة  سواء في ظل شكلها البسيط الموحد أو في ظل الشكل المقترح الفيدرالي المركب، فإعادة البناء في الحالتين ينصب فقط على السلطة السياسية، وآلية توزيع وظائفها ولا علاقة له بإقليم الدولة وسكانها، وكون السلطة القائمة في اليمن ومنذ إعادة تحقيق الوحدة وقبلها خصوصا في شمال اليمن هي سلطة مركبة تداخلت فيها القوى العسكرية والقبلية وتشابكت فيها مراكز النفوذ ، وهذا التداخل والتشابك هو الذي جلب لليمن الويلات ، وأوصلها إلى هذه المنعطفات، وهنا يجب المتحاورين التركيز على تفكيك السلطة وإعادة بنائها من خلال إعادة توزيع اختصاصاتها بالتوازي مع مسؤولياتها، وأن لا يكونوا أدوات لتمرير عقد التفريط في الأرض والإنسان. 

أخبار ذات صله