fbpx
كاتب عربي : يدعو الى إعادة صياغة الوحدة اليمنية على أساس فدرالي بين إقليمين متساويين
شارك الخبر

 

 

 

 

عبد الحميد صيام – القدس العربي

نكتب هذه السطور مع انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني اليمني في صنعاء والذي ينعقد بحضور أكثر من 560 مندوبا رغم العقبات التي هددت بفشل المؤتمر قبل بدايته وخاصة مقاطعة ممثلي الحراك الجنوبي وغياب بعض الشخصيات المهمة ومشاركة بعض الأشخاص ممن تلطخت أيديهم بدماء شباب الثورة وكان الأولى أن يكونوا وراء القضبان لا في قاعة المؤتمر. أمام المؤتمر رزمة واسعة من القضايا والتحديات الكبرى والمعقدة والخطيرة التي يواجهها اليمن والتي تعجز عن مواجهتها دول عظمى. نتمنى للمؤتمر النجاح ونضرع إلى الله أن يحمى اليمن، شعبا كريما ووطنا عزيزا وحضارة وتاريخا وموارد غنية. فوالله ما من عربي مخلص يدرس حالة اليمن هذه الأيام ويطلع على ما يعتريه من تحديات إلا وأصيب بالإحباط والخوف على هذه الجزء الأصيل والغالي من أمتنا العربية ولا بد إلا أن يتذكر قولا منسوبا للزهراء عليها السلام (مع أني أشك في صحة هذا النسب) تقول فيه ‘صبت عليّ مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا’. 
وسأمر في هذا المقال على بعض من المشاكل/المصائب التي يعاني منها اليمن والذي كان قد بدأ يتلمس أبواب التنمية والنهوض في منتصف السبعينات إلى إن تسلمه الشاويش علي عبدالله غير الصالح عام 1978 فلعب على الخلافات وقسم الناس فرقا ومجموعات وشيعا وطوائف وشجع التطرف ولعب على ورقة القاعدة ليبيع نفسه وسيادة اليمن للولايات المتحدة واستغل تمرد صعدة وتذمر القبائل والتدخل الخارجي ليثبت سلطته القاهرة ويسلم البلاد لأولاده ونسائبه وأقاربه لدرجة أنهم تقاتلوا فيما بينهم على الغنائم ونهبوا البلاد وأذلوا العباد وأوصلوا البلاد إلى حالة أقرب إلى ما يمكن أن يوصف بالدولة الفاشلة. وتقول التقارير الدقيقة إن الرئيس المخلوع وابنه أحمد، الذي أعده لوراثة البلاد على طريقة بشار وسيف الإسلام وجمال مبارك، قد كدسا ثروة تقدر بخمسة عشر مليار دولار لاغير. ولكن مصيبة المصائب هي كيف حول الوحدة الطوعية مع الجنوب إلى احتلال وقهر واغتصاب مسنودا بفتاوى عبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب الديلمي اللذين حللا الجرائم التي ارتكبت ضد إخوة الدم والدين واللغة والتاريخ والجغرافيا وهو ما سأسهب فيه قليلا لأن بقاء اليمن موحدا مشروط بكيفية معالجة مقاطعات الجنوب ودرتها الغالية عدن والتي سميت الجنة على اسمها أو العكس والتي تهدد بالانفصال وهو ما لا نتمناه ولا نريده لليمن ولكن لا بد من حل جذري لمشكلة الوحدة يصون الكرامة ويساوي في المعاملة ويعزز المواطنة ويفتح الفرص ويساوي بين الناس جميعا.

القضايا المطروحة أمام مؤتمر الحوار الوطني
سنتعرض لرزمة صغيرة من المشاكل الرئيسية والتحديات الكبرى، وما أكثرها، التي يواجهها اليمن حاليا والتي ستكون محور النقاش في مؤتمر الحوار الوطني. وبالتأكيد لا أريد أن أتأستـذ على أبناء اليمن المخلصين الطيبين فهم أدرى مني بشعاب اليمن وتفاصيل ما يجري بعد سنتين من الثورة الشعبية المباركة، ولكني أعتبر أن مسؤولية كل كاتب ومثقف ومفكر وناشط وملتزم أن يدلي بدلوه في كل التحديات التي تواجه هذا الوطن العربي الغالي على القلب والذي تربينا على حبه أطفالا واخترناه هوية وأيدولوجية كبارا ونريد أن نساهم في درء الأخطار عنه كهولا؟

– مشكلة الرئيس المخلوع وابنه أحمد
وتتلخص هذه المسألة بسيطرة أحمد على الحرس الجمهوري المكون من 37 لواء والذي يزيد عددا عن قوات الجيش الرسمي ويملك أفضل أنواع السلاح المتطور وخاصة ترسانات الصواريخ الحديثة. يرفض أحمد أن يسلم السلطة أو يتنازل عن الحرس الجمهوري أو يندمج في الجيش بحجة حماية الوطن ولا نعرف هل هو حقا يحمي الوطن أم يدافع عن مصالحه ومصالح والده وأقاربه وأنصاره. أما الرئيس المخلوع والذي يتشدق بالحصانة التي منحوه إياها شيوخ الخليج فما زال يعبث في البلاد ويأمر وينهى ويصر على رئاسة حزب المؤتمر وحاول أن يترأس مؤتمر الحوار الوطني. وقد أنشأ محطة فضائية إسمها اليمن اليوم وجريدة يومية ومواقع شبكية ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة. علي عبد الله صالح ما زال يعيش حالة من الإنكار الذاتي بأنه لم يعد رئيسا لليمن بينما يرفع نجله أحمد سيفا مسلطا على أية سلطة تريد أن تزحزحه عن منصب لم يأخذه عن استحقاق أو تراض بين القوى. إذن لا بد لمؤتمر الحوار أن يحسم موضوع هيمنة أحمد علي صالح على الحرس الجمهوري وموضوع الدور التخريبي الذي ما زال يلعبه والده المخلوع ويخيره بين أمرين إما مغادرة البلاد أو رفع الحصانة عنه وتقديمه لمحكمة جنائية لما ارتكبه من جرائم ضد الشعب اليمني بكافة أطيافه ومكوناته.

– الحراك الحوثي 
كما سيقوم المؤتمر ببحت مشكلة الحراك الحوثي في منطقة صعدة والتي بدأت في حزيران (يونيو) عام 2004 عندما قاد حسين بدرالدين الحوثي، زعيم الشيعة الزيدية المعتدلة، إنتفاضة ضد الحكومة المركزية نتيجة الإهمال والتهميش والتمييز. وكانت انتفاضة مطلبية لا أحد يفكر أو يدعو للانفصال، لكن التعامل مع الحراك بالقوة، كما قرر صالح بتشجيع من دول الجوار، أدى إلى تفاقم المشكلة وفتح ثغرة في جدار الوحدة الداخلية تسللت منه إيران والسعودية ليؤججا الصراع ويحولاه إلى حرب شبه إقليمية. فالدعم السعودي المالي والعسكري لحكومة صالح لقمع تحرك صعدة السلمي حول الحراك من حركة إحتجاجية سلمية إلى حركة تمرد مسلح. الشيء الإيجابي أن حركة الحوثيين رحبت بمؤتمر الحوار وشاركت فيه بجدية مما يثبت مرة وراء مرة أنها حركة مطلبية وليست انفصالية.
طبعا هناك من يؤكد أن إيران تمد الحراكين الحوثي والجنوبي بالسلاح. وقد عزز هذا الخوف ضبط سفينة إيرانية باسم ‘جيهان’ بتاريخ 23 كانون الثاني (يناير) 2013 محملة بأسلحة حديثة وفتاكة من بينها صواريخ ومعدات متطورة. وقد ساهمت قوات البحرية الأمريكية باكتشاف السفينة واحتجازها وقامت بتسليمها لقوات خفر السواحل اليمنية. وقد أدان مجلس الأمن الدولي هذه الحادثة وأرسل فريقا من الخبراء للتحقيق في هذه الحادثة وما زلنا ننتظر نتائج التحقيق لنتأكد من أن إيران وراء تلك العملية. 

– أنصار الشريعة
من بين التحديات التي يواجهها مؤتمر الحوار قضية عناصر القاعدة التي استغلت ظروف تفجر الثورة الشعبية العارمة ضد نظام المخلوع صالح فبسطت سيطرتها في أيار (مايو) 2011 على أجزاء من المحافظات الجنوبية الفقيرة مثل أبين وخاصة عاصمة الولاية زنجبار ومدينة جعار وكذلك مدينة عزان بمحافظة شبوة. وبعكس تصرفات تنظيم القاعدة في كل مكان، أنشأ التنظيم ميليشيا جماهيرية تحت إسم ‘أنصار الشريعة’ كما جاء في تسجيل لعادل العباب المنظر الديني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، نشر بتاريخ 22 نيسان (أبريل) 2011. لقد حاول التنظيم أن يكسب قلوب الناس وذلك عن طريق تقديم الخدمات ثم استمال بعض رؤساء القبائل مثل الشيخ طارق الذهب زعيم قبيلة ‘قيفة’ المرتبط بأنور العولقي برابط المصاهرة إلا أنه عاد وتراجع عن موقفه وخاصة بعد الهزائم التي لحقت بالتنظيم على إثر عمليات إسترداد المناطق الواقعة تحت سيطرة أنصار الشريعة بمساعدات أمريكية وفرنسية وسعودية. إن التحدي الذي يشكلة ‘تنظيم القاعدة في جزيرة العرب’ والذي جذب إليه عام 2009 عناصر التنظيم في المملكة العربية السعودية وجذر وجوده ووسع إنتشاره في المحافظات الأفقر في اليمن بحاجة إلى حل سياسي قبل الحل العسكري. فالاستقرار والتنمية وخفض نسبة البطالة والمشاريع التنموية والتوجيه والتعليم هي الحلول الأنجع على المستويين المتوسط والبعيد. ولا أشك أن المؤتمر سيسهب في بحث هذه المسألة الخطيرة. 

– الحراك الجنوبي والتهديد بالانفصال
إن أخطر ما يواجه مؤتمر الحوار الوطني بل أخطر ما يواجه اليمن مسألة الحراك الجنوبي والقائم أساسا على أرضية الانفصال والعودة إلى أسلوب الدولتين المتجاورتين كما كان الحال عليه بين عامي 1967 و1990. ونود بهذا الخصوص أن نؤكد أولا أننا مع وحدة اليمن أرضا وشعبا ولكننا في نفس الوقت ندعو إلى حل جذري يقوم على أساس التراضي والقناعة وليس الفرض والقهر، وعلى أرضية الاحترام والمساواة في الحقوق والواجبات وليس التمييز والاستعلاء والتهميش.
من الناحية القانونية قامت الوحدة الطوعية بين دولتين مستقلتين معترف بهما دوليا دون إجراء استفتاء في كل من الإقليمين وهي خطوة سابقة يجب أن تبدأ بها الوحدة أو يبدأ بها الانفصال. فالإرادة الجماهيرية لكلا الإقليمين مهمة وضرورية ومصدر للشرعية. إن الاتفاق الفوقي الذي تم بين الحزب الإشتراكي بقيادة علي سالم البيض وحزب المؤتمر بقيادة صالح حمل في ثناياه الكثير من المثالب سرعان ما برزت على السطح. فقد حـُل الجيش الجنوبي والأجهزة الأمنية والإدارات بحجة دمج الشطرين مما أدى إلى خسارة الجنوب لعشرات الآلاف من الوظائف وتفاقم مشكلتي الفقر والبطالة التي وصلت إلى نسبة 40′. حتى الموارد النفطية القادمة من الجنوب بدأت تستغل من قبل الحكومة المركزية في الشمال دون التفاتة ولو هامشية لمشاكل الجنوب. لقد تم تدمير الكثير من البنى التحتية في الجنوب والذي تربى على ثقافة علمانية لمدة 27 سنة فأنتج جيلا متعلما منفتحا غير قبائلي وكانت المرأة أكثر حضورا ومشاركة وفاعلية من نظيرتها في الشمال الذي يغلب عليه الطابع القبلي. لقد هدمت المسارح والمعارض الفنية ومعاهد التدريب، ودور العرض وسرحت الفرق المسرحية والغنائية والفنية. 
هذا التهميش والإهمال المتعمد سرعان ما أدى إلى انفجار أحداث 1994 فما كان من الرئيس الجنوبي السابق على سالم البيض إلا أن أعلن الانفصال أيضا بطريقة فردية بتاريخ 22 أيار (مايو) 1994 مما دفع بصالح لأن يدفع بقواته بكل ثقلها لاحتلال الجنوب بالقوة المسلحة وحرق الأرض والزرع واستباحة البلاد وقتل الآلاف وحرق المباني والمؤسسات ونهب المتاجر والمخازن حيث رفع شعار ‘الوحدة أو الموت’. وتدخلت الأمم المتحدة ومندوبها آنذاك الأخضر الإبراهيمي لوقف إطلاق النار بناء على قرارين من مجلس الأمن إلا أن صالح استمر في حربه التدميرية وأعلن بتاريخ 7 تموز (يوليو) 1994 الانتصار. 
لقد كان لفتاوى الزنداني والديلمي والتي أجازت قتــــل النساء والأطفال واستباحة الديار أبلغ الأثر في تعميق الشعور بالخيبة من وحدة قسرية لم تقم على المساواة والاحترام والتكافل بل كانت لعبة لئيمة من علي عبد الله صالح ليعطي نفسه ونظامه شرعية لا يملكها أصلا. 
لقد بدأ الحراك الجنوبي في منتصف عام 2009 واتسع ليشمل كافة محافظات الجنوب الستة (عدن، شبوة، أبين، حضرموت، ولحج والمهرة) وأصبح الانفصال القاسم المشترك بين نشطاء الحراك ولذلك قاطع أنصار الانفصال مؤتمر الحوار الوطني المنعقد الآن في صنعاء وأصدر قادة الحراك بيانا يؤكد أن المشاركين في المؤتمر من الجنوب لا يمثلون إلا أنفسهم. قضية الجنوب إذن هي أكبر التحديات التي تواجه المؤتمر لأن اليمن كبلد وشعب وجغرافيا ومستقبل مرتهن لما تسفر عنه المحادثات من حلول. نحن مع وحدة حقيقية تقوم على أساس التراضي والتفاهم والاختيار الطوعي. فالوحدة القسرية لا شك ستنتهي إلى انفصال كما حدث مع منوتنيغرو (الجبل الأسود) ويوغسلافيا وجمهوريتي التشيك وسلوفاكيا وإرتريا وإثيوبيا وتيمور الشرقية وأندونيسيا وبنغلاديش وباكستان، بينما نجحت وحدة الألمانيتين والفدرالية السويسرية والبلجيكية والكندية والتنزانية والإمارات العربية. وكي نعطي الوحدة فرصة للنجاح نتمنى على الإخوة والأخوات المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني أن يتأملوا بعضا من هذه الأفكار:
1 ـ الحراك السلمي حق طبيعي لا أحد يملك حق قمعه والتصدي له بالقوة المسلحة
2. إعادة صياغة الوحدة اليمنية على أساس فدرالي بين إقليمين متساويين في الحقوق والواجبات
3. صياغة دستور للدولة الاتحادية يضمن سيادتها ومؤسساتها المدنية ومسارها الديمقراطي التعددي القائم على المواطنة المتساوية 
4. تشكيل حكومتــــين محليتين للإقليــمين ثم يتم تشكيل حكومة إتحادية تشمل بعض الوزارات السيادية كالخارجية والدفاع
5. إستخدام الثروات المحلية لتطوير المحافظات بالإضافة إلى دعم الحكومة المركزية بحصص تقوم على التكافؤ والقدرات
6 ـ حل جميع المشاكل العالقة منذ حرب 1994 مثل قضايا الأرض المنهوبة وتعويض المتضررين من أبناء الجنوب المصابين وأسر الشهداء واستعادة المصانع والمعامل ومؤسسات القطاع العام كافة التي تم تدميرها أو نهبها وتعويض موظفيها وعمالها
7 ـ إزالة كافة المظاهر المسلحة من الجنوب وإلغاء نقاط التفتيش والحواجز وإنهاء الاعتقالات التعسفية ومصادرة الصحف وسجن الصحفيين وإلغاء سياسة تكميم الأفواه
ونحن نتابع أعمال المؤتمر لا نملك إلا أن نتمنى للإخوة اليمنيين النجاح ولليمن التعافي من مشاكل وتحديات لو وقعت على جبل لرأيته متصدعا من هول ما وقع عليه. نتمنى يوما أن نحقق حلم الشاعر العظيم المرحوم عبد الله البردوني بإنهاء الاستعمارين’ومن مستعمر غازٍ إلى مستعمر وطني’ ليعود اليمن سعيدا كما كان في أيامه الخوالي.
(ملاحظة: أشكر الزميلة الصحفية نادرة عبد القدوس على ما قدمت لي من بحوث استفدت منها في كتابة المقال)

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

أخبار ذات صله