fbpx
هل يستطيع اليمن أن يصبح أمة موحدة؟
شارك الخبر
هل يستطيع اليمن أن يصبح أمة موحدة؟

ستيفن دبليو داي — (فورين بوليسي) 14/3/2013

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
يشكل شهر آذار (مارس) الحالي منعطفاً حاسماً في عملية الانتقال السياسي الجاري في اليمن منذ العام 2011، عندما وضع ملايين المحتجين السلميين نهاية لثلاثة وثلاثين عاماً من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقد تقرر أن يفتتح الزعيم الانتقالي للبلد، الرئيس عبد ربه منصور هادي، مؤتمر الحوار الوطني. والتوقع هو أن يعقد المؤتمر الذي يفتتح في 18 آذار (مارس) سلسلة اجتماعات بحضور أكثر من 500 ممثل، والذين سيحاولون التوصل إلى حلول للعديد من المشاكل الملحة في اليمن. وليس هناك ما يرجح في الأهمية على مسألة الوحدة الوطنية اليمنية. وقد تقرر أن يبدأ المؤتمر أعماله في العام الماضي بعد ترفيع هادي إلى منصب الرئيس من خلال استفتاء شعبي تم في شباط (فبراير) من العام 2012. ومن أجل حوار وطني ناجح، اتفق على أن يعقد مؤتمر الحوار الوطني تحت خيمة ضخمة تجمع كل الأحزاب السياسية الرئيسية والشرائح المجتمعية. وقد تبين أن بناء هذه الخيمة أمر صعب، فتأجلت العملية لأكثر من مرة لأن بعض الأحزاب رفضت قبول عدد مقاعد محدد سلفاً، بينما رفضت أحزاب أخرى المشاركة تحت أي ظرف.
حتى وقت قريب، شكك العديد من المراقبين في مقدرة الرئيس هادي على بدء مؤتمر الحوار الوطني. وإذا قدر للاجتماع الأول الالتئام فسيكون ذلك إنجازاً جديراً بالملاحظة. وبالرغم من ذلك، سيكون من الحماقة قراءة هذا الاجتماع باعتباره علامة على أن اليمن قد “عبر المنعطف”، متغلباً في نهاية المطاف على مشاكله، ولسبب واحد، هو أن سجل اليمن يحفل بتاريخ طويل من تنظيم المؤتمرات مثل مؤتمر الحوار الوطني، والتي تم فيها بحث مشاكل وطنية ثقيلة باستفاضة. لكن ثمة أمثلة على مؤتمرات وطنية سابقة انتهت بالتوقيع على اتفاقيات ومصافحات ودودة، لتكون فقط خلفية لقتال. وقد حدث هذا أحدث ما يكون في العام 1994 بعد التوقيع في عمان، عاصمة الأردن، على “وثيقة الوفاق والاتفاق”. وكانت الوثيقة قد خضعت لمفاوضات اليمنيين الذين كانوا يعيشون في داخل البلد، تماماً مثل مؤتمر الحوار الوطني الحالي. وكانت قد وقعت الوثيقة في 20 شباط (فبراير) من العام 1994، ثم أعقبتها بعد شهرين بحرب أهلية شاملة. ودار القتال في العام 1994 بين قادة الشمال وقادة الجنوب الذين كانوا قد اتفقوا قبل أربعة أعوام وحسب على الوحدة تحت يافطة جديدة: جمهورية اليمن.
بغض النظر عن الذي يقرره مؤتمر 18 آذار (مارس)، وحتى لو ساد السلام، فثمة عدد من الأسباب التي تفسر لماذا سيظل اليمن يعاني من المشاكل. وتتعلق بعض هذه المشاكل بمؤتمر الحوار الوطني نفسه، لأن الذي وضع إطار عمله وأجندته هي مصالح أجنبية ومحلية متضادة. وقد انتفخ دور الممثلين الخارجيين في اليمن خلال الأعوام القليلة الماضية. وثمة الكثير من التكهنات مؤخراً بأن الحكومة الإيرانية تثير المشاكل هناك.
 لكنه ليس ثمة تواجد أجنبي أكثر إثارة للمشاكل في اليمن من تواجد الحكومتين الأميركية والسعودية. وما تفتأ السعودية تتدخل في الشأن اليمني منذ أمد طويل، وتقدم الأموال للقبائل المحافظة والزعماء الدينيين الذين عادة ما يعملون في شكل متقاطع مع حكومة اليمن. ولأكثر من عام، شغلت الولايات المتحدة “منطقة خضراء” صغيرة في العاصمة صنعاء بينما تقوم القوات الأميركية بتسيير رحلات قاتلة للطائرات من دون طيار في المجال الجوي للبلد. ونتيجة لذلك، نثرت الولايات المتحدة في اليمن المزيد من الشك والمعارضة المحلية أكثر من أي بلد آخر. وفي الأثناء، تضطلع الولايات المتحدة بدور أحد الرعاة الرئيسيين للانتقال السياسي لليمن، سوية مع العربية السعودية. ومن خلال تأطير هذا الانتقال لخدمة المصالح الخارجية، يكون اللاعبون الخارجيون قد صبوا مزيداً من الوقود على نار التوتر السائد في أوساط اللاعبين المحليين.
ثمة ثلاثة مصادر داخلية رئيسية للمشاكل في اليمن. أولها، أن الغالبية العظمى من اليمنيين خبرت صعوبات اقتصادية شديدة. ومنذ منتصف الألفية الثانية، ساء الاقتصاد منحدراً في حركة لولبية وحشية هابطة إلى الأسفل. ومع حلول العام 2011، بلغ الفقر والبطالة مستويات كارثية بحيث أثرا على ما يتراوح بين 50-60 % من المواطنين. ولهذا السبب في الجزء الأكبر، أصبحت الحكومة متواكلة على اللاعبين الخارجيين -وتحديداً العربية السعودية وباقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية التي تشكل “أصدقاء اليمن”. ولعل من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن اليمن كان -على العكس من كل البلدان الأخرى التي اصطيدت في ثورات “الربيع العربي”- على وشك الانهيار الكلي عاماً كاملاً قبل ذلك. وبداية من العام 2009، لم يتنبأ المراقبون بإمكانية الإطاحة بالرئيس اليمني وحسب، بل لقد اعتقد العديدون بأن البلد كان على شفا أن يصبح “دولة فاشلة”. ولهذا السبب بشكل رئيسي، تم تشكيل مجموعة “أصدقاء اليمن” في أواخر العام 2009، وعقدت أول اجتماع لها في كانون الثاني (يناير) من العام 2010 في لندن، حيث تعهد المشاركون بتقديم بلايين الدولارات الأميركية على شكل مساعدات طارئة. وباختصار، ربما تكون التطورات التاريخية التي شهدها العام 2011 قد فاجأت القادة في تونس ومصر وليبيا والبحرين وسورية، لكن الحال لم يكن كذلك بشكل حاسم في اليمن.
ثانياً، خلال العقد الماضي، أصبح اليمن مقسماً باطراد على طول الخطوط الإقليمية. وفي الحقيقة، كانت هذه الانقسامات هي المصدر للثورات الداخلية الرئيسية التي بدأت في منتصف الألفية الثانية، والتي عقّدت مؤخراً عملية الحوار الوطني وأخرت افتتاح الرئيس هادي لمؤتمر الحوار الوطني. وتتركز الانقسامات المناطقية الأكبر في شمال وجنوب العاصمة صنعاء. ففي الاتجاه الشمالي حيث محافظة صعدة على طول الحدود مع العربية السعودية، ثمة تمرد مسلح عنيف قائم ضد النظام القديم، والذي كان قد بدأ في العام 2004. وقد سمي الحراك باسم قائد التمرد حسين الحوثي، نجل رجل الدين الزيدي التقليدي الذي دعا إلى إحياء الحكم الزيدي الذي لم يعد موجوداً منذ الإطاحة بالإمامة الزيدية في شمال اليمن في العام 1962. وعندما قتل النجل في معركة مع القوات الحكومية في أيلول (سبتمبر) من العام 2004، كسب داعموه القبليون سيطرة متزايدة على الأراضي في صعدة والمحافظات المجاورة حتى العام 2011، حين حلوا محل سلطة الحكومة المركزية في مناطق شاسعة من الأراضي. وفي جنوب وشرق صنعاء، بدأت حركة تمرد منفصلة تدعى “الحراك” في العام 2007 بانتهاج أشكال سلمية من المقاومة. وقد حاول النظام القديم قمع الحراك مستخدماً في البداية حملة اعتقالات ثم القوة المسلحة. ودفع ذلك بالعديدين من داعمي الحراك إلى تبني دعوات متشددة للانفصال في وقت مبكر من العام 2009، بهدف إحياء الدولة الجنوبية المستقلة القديمة. واليوم، نرى الدعوات إلى الانفصال تبدو أقوى وأشد، فيما يشكل داعمو الحراك أكبر المعارضين للحوار في المؤتمر الوطني هذا الشهر.
ثالثاً، ومنذ خلق الحكومة الانتقالية في وقت مبكر من العام 2012، استمر لاعبون أقوياء مقترنون بالنظام القديم في ممارسة السطوة في الحقول السياسية والعسكرية والاقتصادية. وفي الحقيقة، تمثلت إحدى المشاكل مع الاتفاقية التي توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي لإزاحة صالح عن الرئاسة في منحه وأفراد عائلته والشخصيات الرئيسية المقربة منه ضمانات عفو سخية، وبحيث حمتهم من أي ملاحقات قضائية بتهم انتهاك حقوق الإنسان. ولم يكن هناك من الناحية الفعلية من تحمل المسؤولية عن العنف المرعب خلال وقبل العام 2011. ونتيجة لذلك، أصبح بإمكان صالح سوية مع أبنائه وأبناء إخوانه وأخواته (الذين احتلوا مناصب قيادية في القوات المسلحة اليمنية) أن يتجولوا في العاصمة وأن يتدخلوا في شؤون مختلفة. وفي العام 2012، أعاد الرئيس هادي تدريجياً هيكلة القوات المسلحة والقوات الأمنية اليمنية، مقيلاً أبناء إخوة وأخوات صالح، ودامجاً فروعاً كانت في السابق تحت سيطرة أكبر أبناء صالح، أحمد. لكن أحمد عقد في الثاني من شباط (فبراير) الماضي اجتماعات مع ضباط عسكريين كبار في صنعاء، وتحدث كقائد للحرس الجمهوري -في مروق علني على هادي. وقد نفى صالح الذي كانت له دائما سمعة الثعلب الماكر أن تكون استقالته كرئيس تنطبق على وضعه كزعيم للمؤتمر الشعبي العام. وهكذا، وفي ظروف غرائبية، ما يزال صالح يدير أمور حزب يحتفظ بنصف المناصب الوزارية في الحكومة الانتقالية، كما يحتفظ بحصة الأسد في مؤتمر الحوار الوطني الأخير.
في التحليل النهائي، رجح الكثيرون فشل مؤتمر الحوار الوطني اليمني بسبب هذه المتناقضات بين مكونات البلد الداخلية وتلك الخارجية. وبينما تسعى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى رعاية البلد حتى إتمام الفترة الانتقالية، فقد ضمنتا العفو الذي يتمتع فيه صالح وعائلته، وهو ما أتاح المجال للأخيرين بالاستمرار في تأطير التطورات. ولطالما خدم صالح المصالح السعودية وتلك الأميركية. وكانت الولايات المتحدة قد بنت الكثير من استراتيجيتها العسكرية لما بعد العام 2001 بمساعدة صالح. وكان صالح، كما تجدر الإشارة، قد أقر أول حرب للولايات المتحدة بواسطة الطائرات من دون طيار في العام 2002، كما أن وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية المدربة والممولة أميركياً كانت بقيادة أكبر أبناء صالح وأبناء إخوانه. وعلى ضوء الرغبات الأميركية والسعودية في محاربة القاعدة على الأراضي اليمنية، لم تنطو أي من هاتين الدولتين على أي اهتمام بخسارة السيطرة على وحدات مكافحة الإرهاب هذه. وقد توافر أفراد عائلة صالح على الكثير من المعرفة والخبرة إلى درجة صعب معها تنحيتهم جانباً. وينطبق نفس الشيء على رجال القبائل الموالين لصالح ومنقذ النظام السابق، علي محسن الأحمر، الذي تخلى عن صالح دعماً للثورة في العام 2011. ولو تم منع أي من هؤلاء الأشخاص من الإقامة في البلد، لكانوا سيبحثون عن طرق لتقويض الأمن الداخلي من خلال القبائل بالإنابة والقوات العسكرية. وطالما ظلوا في داخل البلد، فلن يكون ثمة تغيير جوهري.
بالإضافة إلى المشاكل في الحقلين العسكري والأمني، ثمة نزاعات أساسية حول أفضل الحلول لمشاكل اليمن الاقتصادية والانقسامات المناطقية. وتدخل المساعدات الاقتصادية الأجنبية إلى اليمن من خلال مكاتب الحكومة المركزية. وهكذا، فإن اللاعبين الخارجيين والساسة في صنعاء يريدون الحفاظ على هذا النظام المركزي لأنه يوفر لهم سيطرة أكبر. ومع ذلك، يتضمن الحل المقترح لترميم الانقسامات المناطقية في اليمن نزع المركزية عن مهام الحكومة، وربما إصلاح دستور اليمن على طول الخطوط الفيدرالية كما اقترح هادي مؤخراً أثناء زيارة للعاصمة السابقة عدن. وقد يكون موضوع الفيدرالية هو العقبة الكأداء التي تواجه مؤتمر الحوار الوطني في نهاية المطاف، تماماً مثلما كان في وثيقة الوفاق والاتفاق في اليمن في العام 1994. وفي ذلك العام، اتهم صالح والأحمر وغيرهما من الزعماء القبليين والعسكريين والدينيين في صنعاء المروجين الجنوبيين للفيدرالية بالخيانة. واستناداً إلى هذا الأساس، خاضت الأطراف آنفة الذكر حرباً أهلية مكلفة.
ثمة ترجيح قوي لأن يعمد اللاعبون القبليون والعسكريون في صنعاء إلى رفض الحل الفيدرالي لانقسامات اليمن المناطقية، خاصة بالنظر إليها على أنها مفروضة فرضاً من جانب لاعبين أجانب.. لكن، ومن دون وجود حل فيدرالي، فسيكون من الصعب استشراف الكيفية التي سيؤيد من خلالها داعمو الحراك في الجنوب والحوثيون في الشمال عملية الانتقال السياسي في اليمن. ويشير الواقع على الأرض في اليمن اليوم إلى بلد مقسم بين سلطات مناطقية مختلفة، رسمية وغير رسمية على حد سواء.
لعل المصدر الأكبر لمشاكل اليمن المستمرة يكمن في التأسيس البائس لاتحاده الوطني في العام 1990. ولسوء الطالع، أظهرت الثقافة السياسية لهذا الاتحاد المبكر عدم تسامح تجاه الاختلافات في أوساط شعب يأتي من مناطق متعددة. وكان المجتمع اليمني دائماً أكثر تنوعاً مقارنة مع ما أشارت إليه الحدود القديمة بين الشمال والجنوب. وكان عدم التسامح السياسي والمجتمعي موجوداً عند كلا الجانبين من الحدود. لكنه كان سيئاً على وجه الخصوص في الشمال بين النخب في صنعاء، ومعظمهم فضل تعريف المصلحة الوطنية بعبارات حصرية النزعة. وطيلة الكثير من أعوام التسعينيات والألفية الثالثة، رفضت هذه النخب القبول بناشر صحيفة مرموقة من عدن، الراحل هشام بشراحيل، الذي كان ينطوي على الكثير من الحق في تعريف المصلحة الوطنية مثل الجميع في صنعاء. وكان بشراحيل وعائلته يتعرضون للمضايقة المستمرة من جانب نظام صالح الذي أغار على منزل بشراحيل في العام 2010 وأغلق صحيفته، الأيام، التي كانت أقدم صحيفة في البلد. وثمة العديد من اليمنيين الآخرين، مثل عمال المصنع في تهامة ورواد الأعمال التجارية في المكلا، وأتباع الزيدية الورعين في صعدة، والذين حرموا أيضاً من الفرص لتعريف المصلحة الوطنية بمصطلحاتهم الخاصة. وإلى أن يجد كل اليمنيين طريقة لخلق نظام حكومة متسامح مع الاختلافات، فستظل الانقسامات تثقل كاهل البلد الذي سيتجشم تبعات الانقسام والصراع والفقر والافتقار إلى التنمية. وفي الحقيقة، سيكون التسامح مع الاختلافات هو الطريق الوحيد لتحقيق الوحدة الوطنية وجعلها تستمر.
*أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة ستيتسون في فلوريدا، وهو مؤلف كتاب “المناطقية والثورة في اليمن: اتحاد وطني يواجه المشاكل” (مطبعة جامعة كيمبردج-2012).
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Can Yemen be a nation united?

abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

أخبار ذات صله