fbpx
الناخبي كما عرفته :

توقفت عن كتابة المقال الصحفي منذ ما يقرب من 3 سنوات لأسباب كثيرة ، لكني كنت قد هممت في اكثر من مناسبة اعادة نشر مقال لي نشر في كتاب تأبين للمرحوم ( عبدالله حسن الناخبي ) بعنوان عبدالله الناخبي ثنائية الثورة والتنمية ، وذلك لأن مؤلف الكتاب عمد الى تحريف دقيق جدا ربما لا يلاحظه بعض القراء لما كتبته عن المرحوم لكن هذا التحريف اخل بالمعنى المراد بل انه قد قلب المقصود في القول رأسا على عقب ، وفي كل مرة اهم فيها اتراجع الى ان ارسل لي احد الاخوة قبل ايام صورة لمقالي في متن الكتاب فرأيت انه من الامانة ان اضع بين يدي الكاتب ما كتبته عن الناخبي كما هو وبدون تحريف ، الى نص المقال :

الناخبي كما عرفته :

عبدالوهاب محمد الشيوحي

في اكتوبر 2008م تقريبا دشن عبدالله حسن الناخبي دخولا قويا وجريئاً الى صفوف الحركة الجنوبية ( الحراك الجنوبي ) , في وقت كان الحراك الجنوبي بأمس الحاجة لرجل بمثل موصفات الناخبي وجرأته وحماسه , انطلق ينعش جسد الحراك على طول وعرض الجنوب ويبلسم جراحه , كان رحمه الله يتنقل بين مناطق ومحافظات الجنوب من عدن الى المهره نشيطاً شجاعاً مقداماً لا يهاب احداً ولا ينتظر احدا .
كنت اتابع اخباره فكان يرد على مكالماتي كل يوم من منطقة جنوبية مختلفة , اتذكر ذات مرة , وكالعادة تحدثنا عن وضع الجنوب واليمن وكيف ان قوى صنعاء الفاسدة اوصلتنا الى طريق اللاعوده , وتذكرنا بعض طرق معاملاتهم مع الجنوبيين , فقلت له في الختام انهم يعاملوننا ويظنوننا عبيداً , فقال بل ابشع من ذلك , وأردف بلهجته المحلية ( فالعبد له من سيده كسرة وكسوة ) فيما هؤلاء حتى الكسوة الكسرة يرون اننا لا نستحقها , استمر الرجل يعمل بقوة ونشاط وكان حضوره قويا في كل فعالية ومناسبة جنوبية , جاءت معركة الجبل الاحمر في ردفان , وعندما اشتدت واحتدت كنت على يقين ان الرجل لن يبقى في بيته وردفان تتعرض للقصف , اتصلت عليه فجاءني الرد كما توقعت , من الحبيلين , من ردفان , سألته وانا اعرف الجواب , ايش معك هناك ؟ فقال انت تعرف ايش معي , فسألته وهل انتم جاهزين للعمل المسلح ؟ , قال لا , ولكننا الان ندافع عن انفسنا فقط , لسنا البادئين , ولا يمكننا البقاء في يافع في مأمن فيما اخوتنا في ردفان الثورة تقصف منازلهم وأرضهم , سنقف الى جانبهم بكل ما نملك وليكن ما يكن .
ذات مرة سألته وانا اعرف علاقاته مع الكثير من الشخصيات التي تقف صامته من ما يحصل في الجنوب , لماذا لا تكلمهم وتقنعهم بالدخول الى صفوف الحراك ؟ , اجاب كلمت بعضهم فوجدت انه لا يزال ليس مقتنعا بشكل كامل , يمكنني ان ادخله الى صفوف الحراك احراجا مني , ولكن مثل هذه المواقف تتطلب اقتناعا كاملا وليس مجاملة , نحن اليوم نتحرك سلميا , ولكن قد نضطر غداً الى الانتقال الى مربع العمل المسلح , وهذا لا يمكن ان يقبله او يتحمل تبعاته الا من كان وصل الإيمان بقضية الجنوب الى قلبه .
الجميع يعلم سيرة عبدالله الناخبي في صفوف الحراك ولا ينكرها الا جاهل او جاحد , ولست هنا اكثر الجنوبيين معرفة به بل انا اقلهم , كان مجرد دخوله الى صفوف الحراك انعاشاً قوياً لمسيرته , كان له الدور الاكبر في تأسيس المجلس الوطني الذي كان يومها الفصيل الاقوى , وكان من اوائل من استجابوا لفكرة توحيد المكونات في مجلس قيادة الثورة الجنوبية , ونتيجة لذلك اختلف مع زملائه في المجلس الوطني , كان صاحب فكرة تنصيب البيض رئيسا شرعيا للجنوب , لا يتم الاعتراف الا به . خذله البيض لأنه لم يعرفه او ربما صدق به الاباطيل , لو عرفه البيض لما تعامل مع غيره , تجاهله فأثر ذلك اشد الأثر في الناخبي واعتبره جحودا ونكرانا من رجل لم يتوقع منه ذلك , كان صادقاً لذلك اوجعه تجاهل وجحود رجل صادقٌ مثله .
كان لهذا الامر دورٌ حاسمٌ في مواقف الناخبي التي تلت 11/فبراير /2011م , الى جانب حالة الوهن والضعف وقلة الحيلة التي كان عليها الكثير من قيادات الحراك وليس كلهم , كان يقول لي , هؤلاء لا يستطيعون قيادة ثورة , وكان البعض من هذه القيادات للأسف يواجه حماس الناخبي وجرأته وشجاعته بالتشكيك في امره , حتى ان احدهم قال ذات مره , الناخبي مشكوك في امره , فقلت له وكيف عرفت ؟! , قال رجل مثله يتحرك بهذا الشكل وهذه الجرأة والشجاعة لو لم يكن عميل لتم تصفيته على الفور , كان هذا البعض يبرر ضعفه وقلة حيلته وفشله .
2011م كانت نقطة تحول كبيرة وخطيرة في حياة الناخبي , اتذكر ذلك جيداً , لعبت توكل كرمان وبعض اعضاء الاشتراكي الدور الاكبر في حرف مسيرة رجل عانى من الجانب الاخر الخذلان والنكران والتشكيك وضعف المواقف , تلقفته افاعي الاصلاح فعمدت الى احراق شخصيته بطرق وأساليب مختلفة , وفيما كان هو يعمل ماهو مقتنع به , كان هؤلاء اللئام يدفعون به الى الواجهة بطريقة تجعل من المستحيل عليه العودة ادراجه , كما كانوا يتأكدون في الاثناء بأنهم يقدمونه للجنوبيين بأبشع الصور واشدها بغضاً اليهم .
من جانبي حاولت منعه وحذرته , كان يرد بأن خلافنا مع علي عبدالله صالح وليس مع الشعب وعلي عبدالله صالح صفحة قد انطوت , كنت اخبره بأن علي عبدالله صالح ليس كل المشكلة وان قيام دولة مدنية في صنعاء مستحيلا , وبأنه على وشك ان يقع بالفخ , كان مقتنعاً بما هو مقبل عليه , قائلا لابد ان ندخل معهم وسنجد الحلول لبناء يمن مستقر وآمن , يمن للجميع , كان واضحاً ان ما يقوله ضرباً من ضروب المستحيل , لكني وانا اعرف ذكاء الرجل وحكمته , ادركت ان الله سبحانه قد انفذ امراً كان مفعولا .
في الاخير عندما فشلت في اقناعه ولأني اعرفه جيداً واعرف انه لا يمكن ان يقف صفا ثانيا بل دائما في الصدارة , كما اني اعرف يقينا بأنهم سيدفعون به ليضعونه في فوهة المدفع , ترجيته بأن لا يدافع عن مواقفهم ولا يتورط في التبرير لهم , وان يلزم الصمت , لأنهم لا يستحقون , كان جوابه انت تعرفني , سأدافع بكل قوة عن ما اؤمن به .
تواصلت معه بعد ذلك مرات كثيرة رجوته ان لا يتصدر المشهد لأن القوم ليسوا كما يظن , لكنه كان عبدالله حسن الناخبي لا يفعل ولا يقول الا ما هو مقتنع به بصرف النظر عن التبعات .
اخيرا زرته في صنعاء حاورته بصراحة وشفافية , لم اجامله بل صارحته بكل صدق , كان يؤكد ان يمن مابعد11/ فبراير ليس كما قبله , وان نكون في اللعبة احسن من ان نكون خارجها ,وبأن الكثير من القيادات الحراكية التي تتصدر المشهد ليست اهلاً لذلك , ولن يوصلوا الجنوب الى شيء , ثم افترقنا حتى حصل الانفجار الكبير في صنعاء , عاد الى قريته , ومع بدء الحرب ذهب الى عدن , تأكد ان ما حصل ويحصل في صنعاء كذبة كبيرة وبشعة , اراد ان يسهم في الدفاع عن عدن , كانت صحته لا تساعده لكنه مع ذلك حاول ان يقدم شيء , ذهب الى اكثر من جبهة مشتعله كما اخبرني , انهم لا يريدون التعامل معي ,قال لي ذلك , وأردف قلت لهم انتم قبلتم الجميع , كل من عاد من صنعاء قبلتموهم , فلماذا انا لا تقبلون بعودتي , كان ذلك في اخر اتصال بيني وبينه , كان حزين لأنه تعامل في عدن بهذا الشكل , كان حزين لأنه اكتشف انه وثق بصنعاء فيما كان عليه ان لا يثق بها , طمأنته , وقلت له ان صحته تعذره عن أي عمل , كان يحدثه معي زميله القديم الدكتور عيدروس النقيب , قال له الان اهتم فقط لصحتك ودع ما سواها .
لما تكن هذه هي علاقتي بالناخبي , فلقد عرفته وانا طفلٌ صغير , كان مثالا يحتذى وكان يشجعنا على التعليم في بيئة لا تؤمن بالتعليم كثيراً , كان يحثنا , انتم رجال المستقبل وكان يعيننا بقدر ما يستطيع بحكم موقعه القيادي بمديرية رصد آنذاك , عزمت ذات مره ان اذهب اليه وانا في الثانوية العامة فأطلب منه سلاحا شخصيا لي , كنت احلم ان امتلك سلاحي الشخصي الخاص بي الذي لا استأذن احدا حين احمله , بمجرد ان دخلت عليه , لا ادري هل عرف بمكنون امري , أخذني بيدي قبل ان اتحدث ثم اعطاني نسخة من كتاب ( خريف الغضب ) للكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل , كان ذلك اول كتاب سياسي اقراءه في حياتي , قرأت بعدها معظم كتب هيكل وكان له الفضل في ذلك , ناولني الكتاب قائلا تسلحوا بالعلم فهذا ما تحتاجون وليس شيئاً اخر , خرجت غير راضٍ اقلب صفحات الكتاب متبرماً , بدل من اخرج من عنده بقطعة سلاح اتباهى بها , خرجت بكتاب .
لا يخفى على احد دوره اثناء احداث 13/يناير , في طمأنت الناس المفزوعة , كان يجول مناطق مديريته يطمئن الناس ويبلغهم ان عدن والجنوب ستكون بخير .
قبل الوحده عُقد اجتماع موسع في رصد حاولوا فيه التوطئه للزلزال القادم , كان هو وشخصاً اخر اسمه ( علوه ) الذين تحملوا عناء هذه الخطوة الغريبة والخطيرة والصادمة , المح الى ان ( 23 ) عام من التثقيف المكثف في فلك الاشتراكية العلمية على وشك ان تلفظ انفاسها الاخيرة , كان كلامهما غير مقبولا , الى الامس القريب كنتم توزعون علينا كتب التثقيف السياسي , لم تتركوا خلية في ادمغتنا الا وقد اصبحت تؤمن بالاشتراكية ومبادئها , كان الامر صادماً , رغم اني كنت من اصغر الحاضرين سناً الا اني وقفت وعبرت عن ما كان يسود القاعة من رفض , قلت لهم ما تقولونه غريبا , هلا كنتم رفقتم بنا في الماضي قليلاً , لم يفعل سوى ان يعتدل في جلسته راجعا الى الخلف قليلاً ويرسل لي ابتسامه عرفت من خلالها بأنهم في المنصة اكثر ذهولاً منا في المدرج , ثم نقل هو الواقعة الى احد معارفي , قال له كاد ولدكم ان ينسف اجتماعنا ويذره هشيما .
طلب مني القائمين على العمل المساهمه بما اعرفه عن الناخبي ولكنهم كانوا في عجله من امرهم , قلت لهم ان الرجل يستحق ان نتمهل في كتابة سيرته لأنها ثرية , لكنهم كانوا لديهم مبرراتهم , وعلى عجالة نقلت لكم جانبا من ما عرفته عن الرجل الكبير .
لن افي الرجل حقه , انما نزراً يسير من سيرة عظيمة لرجل عظيم .
غفر الله لعبدالله حسن احمد الناخبي واسكنه فسيح جنته .