fbpx
شعب الجنوب .. والحظ مع جمال بن عمر

شعب الجنوب .. والحظ مع جمال بن عمر

 د. عبيد البري

اختيار السكرتير العام للأمم المتحدة للأستاذ جمال بن عمر مبعوثاً له في أزمة اليمن كان موفقاً ، ليعمل كإنسان عربي قومي ، بكامل جهوده في حل الأزمة ، على اعتبار أن العربي أكثر فهماً لأخيه العربي من الناحية الاجتماعية ، وأكثر فهماً من غيره بالتفاعلات العربية على أصعدتها التاريخية والثقافية والجغرافية  بما تحتويه تلك التفاعلات من جوانب إيجابية وسلبية على الواقع العربي . ولا يسعنا بعد أن عرفناه ، إلا أن نشيد بجهوده التي يبذلها في مساعدة القوى السياسية في اليمن على انجاز عملية التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية بشأن اليمن وآليتـها المزمنة .

 وبالمناسبة ، لا بد من تذكير  جمال بن عمر بأن الشعب الجنوب يعاني أكثر من غيره جراء الأزمة اليمنية في الحياة السياسية والاقتصادية التي سبقت أزمة انتقال السلطة عام 2011 بفترة طويلة ، بدأت منذ ما بعد اعلان الوحدة اليمنية كوحدة عاجلة غير متكافئة وفاقدة الرؤية السياسية والهدف الاستراتيجي .. مروراً بالحرب الناتجة عنها وعن ما  عرفه بنفسه عن عدم شرعية طرفيها .. ثم أزمة سياسة الضم الناتجة عن الحرب ، وأخيراً افتعال أزمة  التنافس على السلطة (للتـّهرب من استحقاقات الثورة الجنوبية) بين أمراء نهب ثروات الجنوب ، كأزمة بين طرفين يمثلان سياسة النظام – في السلطة والمعارضة – بالتساوي بينهما  معاً ، لإحكام قبضة السيطرة على الوطن الجنوبي وثرواته ومصير شعبه .

 لقد بذل الأستاذ جمال بن عمر خلال نحو 15 شهراً ولا يزال ، جهوداً كبيرة للتوسط بين طرفي الأزمة السياسية اليمنية  أحدهما التحالف الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه) ، والآخر المجلس الوطني (أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه) ؛ ولكنها في حقيقة الأمر  عبارة عن أزمة تجاوزت التكتلات الحزبية بكل خلفياتها القبلية – المذهبية  والهيمنة (الاقتصادية والعسكرية) وغيرها من التعقيدات التي واجهها السيد جمال بن عمر ، لا تمت بصلة إلى وجود طرف جنوبي في أزمة نقل السلطة ؛ ولا يستطيع أحد الطرفين أن يحمّل الآخر مسئولية قضية الجنوب باعتبارها أساس في الأزمة اليمنية .. ولأنهما شريكان فيها ، فلم يكن أي من الطرفين – ولو أمام الوسيط بينهما – مكترثاً بجوهر المطلب الشرعي لشعب الجنوب أو بعمليات الإرهاب والتدمير الجارية في الجنوب .

 وبالرغم من أن الأستاذ جمال بن عمر يعمل كممثل لوسيط دولي لاحتواء أزمة سياسية مستفحلة نتجت عنها أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها ، فانه كمواطن عربي أدرى بكثير من السكرتارية العامة للمنظمة الدولية ومجلس الأمن  بطبيعة التعقيدات والمتناقضات السائدة في  المجتمعات العربية نظراً  لوقوعها  تحت تأثير نفوذ ومصالح الدول الكبرى .. فهو يدرك تماماً ، أنه لم تفشل فقط العديد من الدول العربية في مشاريع وحدة بين دولتين منها  أو أكثر ، بل شهدت بعضها حروباً عدوانية مدمرة ونزعة احتلال الدولة الكبيرة للأصغر منها . ويدرك الأستاذ جمال بن عمر أن المشروع القومي العربي في الوحدة العربية قد تم استبداله بمشروع التعاون والتضامن العربي . ولذلك لا تستطيع أي مبادرة مهما كانت عدالتها أن تحيي الوحدة اليمنية التي انتهت فعلياً في الواقع وفي النفوس ، وتشوهت معانيها .

 ولا شك أن بن عمر قد عرف من خلال لقاءاته بالجنوبيين بأن التنشئة الثقافية العربية قبل اعلان الوحدة اليمنية ، قد أوجدت وعياً جنوبياً كان يعتبر أن هناك شعباً واحداً انقسم بين دولتين ، بينما تغير الوعي الجنوبي بعد الوحدة والحرب إلى صورته العكسية .. الوضع الذي  يعبر عن شعبين في دولة  واحدة ، فاشلة . فليست المشكلة فقط في جعل تجربة الوحدة اليمنية الفاشلة مصدر احباط لعلاقات الشعوب العربية مع بعضها ، بل أن الاستمرار في فرض واقع – بوجود جمال بن عمر – لا يرضى به الشعب الجنوبي حالياً ، سيؤدي إلى وضع لن يرضى به الشعب العربي مستقبلاً ، وحينها سيتذكر الشعب العربي أن الوسيط الأممي في أزمة اليمن كان عربياً مغربياً .

 ولكن بناءً على ثقتنا بقدرات المبعوث الأممي ومعرفته بطبيعة الوضع القائم على ظلم الشعب الجنوبي ، واكتشافه لمصادر ومنابع الظلم على هذا الشعب العربي ، وخطورة السكوت عن ممارسة  ظلم العربي لأخيه العربي ، باعتبار المبعوث الأممي هو  أولاً وأخيراً رجلاً عربيا من أصل كريم ، فإننا لكل ذلك ، نتوقع أن الاستاذ جمال بن عمر سيكرس جهوده لإنهاء الأزمة في اليمن على طريق تبني مطلب شعب الجنوب أمام المنظمة الدولية كشعب مظلوم لا يستطيع البقاء خاضعاً لسلطة عصابات في صنعاء عرف عنها بن عمر ما لم يعرفه كل الشعب العربي .