fbpx
إنها ملهاة. أليس كذلك؟

إنها ملهاة. أليس كذلك؟

بقلم / يحيى بامحفوظ 

كثيرا ما يطل علينا البعض بكتابات أو تصريحات تحذر أبناء الجنوب من ضياع قضيتهم إن هم رفضوا الانخراط في ما يسمى الحوار الوطني المزمع إجراؤه في صنعاء والمتمعن لتلك الكتابات والتصريحات يكتشف انها باطلة وتقود إلى منحى خطير للغاية، وفوق كل ذلك نرى انها تندرج ضمن السخافات, و تصبح كلماتهم تلك بلا معنى، إذ إنَّ فكرة الحوار في حد ذاتها جاءت كمخرج “لصالح” من ان يطاله مصير زعماء نالت منهم ثورات الربيع العربي, وفصلت المبادرة على هذا الأساس وتم إجراء تعديلات عليها لتتوافق وأهواء “صالح” مخترقة الأعراف والقوانين الإنسانية بعد ان منحته طوق نجاة  مختوم بمصادقة مجلس النواب اليمني ومباركة المبعوث الاممي “بن عمر” الذي اعد الآلية التنفيذية للمبادرة, أما القضية الجنوبية “قد أُوكِلت للحكومة واعتبرت من مهامها للخروج بحلول جادة وعملية للقضية الجنوبية بما يضمن إعادة صياغة الدولة الراهنة وفق صيغة الشراكة الوطنية للوحدة الوطنية”، ( حسب الآلية التنفيذية ).
لم يدرك ساسة الدول الراعية للمبادرة الأبعاد الحقيقية والمختلفة كليا للقضية الجنوبية وأهميتها للمحيط الإقليمي والدولي “ان افترضنا حسن نيتهم” وانطلقوا من نظرة قاصرة، بحلحلة مشاكل اليمن من خلال نزع فتيل الحرب بإعادة تقاسم السلطة بين فرقاء الصراع في الشمال غير مدركين للأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية لتهميش القضية الجنوبية والاكتفاء بتغير شخوص المسرح مع تتنوع الشبكات والكيانات المجذومة, المتنافسة والبعض الآخر متعاضد ولو ظاهرياً تسعى كل منها إلى ضمان مصالحها وفرض سيطرتها على خشبة مسرح الوحدة اليمنية وفرض قوانينها عليه وعلى أبناء الجنوب, الذين أرادوا لهم ان يؤدون دورهم ويظلّون على ما هم عليه, ومحاولة تلك الكيانات التمظهر بالوطنية الوحدوية, والذين فُضِحوا بارتدائهم لأقنعة متهرئة وأداء أكثر تكلُّفاً, مع سطحية العمل المعروض الذي لا يستدعي أيّ اهتمامات.
ان الدول الراعية حلت محل سلطة صنعاء لتمارس ذات الطقوس لفرض الوحدة بنمط خبرنا أهدافه, وكان الأجدى بالرعاة وقبل ممارسة الضغوط على الحراك ان يؤمنوا خطوات إجرائية لضمان سير الآلية التنفيذية بشكل سلس, والابتعاد كليا عن كل ما يثير حفيظة شعب الجنوب وقبل كل ذلك اعتماد آلية لبحث ودراسة الحيثيات التي منحت أبناء الجنوب الحق في عدم التفاعل مع تلك الدعوات وعدم تحفزهم للمبادرة والانخراط في الحوار وتضمين النتائج المستخلصة لبنود المبادرة؛ ولكن للأسف لم نرى سوى ما ينكأ جراحنا مع صمت الرعاة بدء من تصريحات نزقة من قادة في المعارضة والسلطة ومرورا بتعيين “الارياني” رئيسا للجنة الحوار وممثلين عن الحراك “حسب زعمهم” مع استمرار عمليات القمع والبطش بأبناء الجنوب؛ فالأمر بالنسبة إلى هؤلاء يتعدَّى الجانب الأخلاقي. إذ إنَّهم ينطلقون من قَبْليّة اعتقادية تعود في جذورها إلى ثقافة المستعمر الاستيطانية المبنية على الفيد والنهب واستباحة ما تطاله أيديهم, وكان بديهياً أن يصبّ الشماليون جام غضبهم على الجنوبيين، بعد ان صوروا لهم التطاولات و السخرية غير المستحقَّة على أيدي الفرع الدوني أو أتباعهم الجاحدين الجنوبيين, ومع ذلك فإنَّ المسألة لم تتوقف عند هذا الحد من ردّات الفعل, بل ذهبوا إلى ما هو أدهى وأمر من ذلك, إذ وصلت بهم الحماقة إلى تجريد أبناء الجنوب من عروبتهم قبل اليمننة وأمعنوا في ذلك وبتهكم وسخافة في كل مقيل ومحفل.
ومع كل ذلك تناسى عن عمد ذوي الكتابات والتصريحات إياها إنَّ “مطابخهم الممقوتة عكفت على توجيه حقد جندهم لإسكات المحتجِّين الجنوبيين، بوسائل بشعة, ثم يمضي قادتهم في عزفٍ منفرد مؤثراً فيهم معتمرين اللامبالاة وإدارة الظهر لهذه القضية، معتبرين أنَّ الوحدة ليست في حاجة إلى مَنْ يمنحها شهادة حسن سيرة وسلوك أو يصحِّح خطأ تنظر إليه على أنَّه جزئية عزيزة في مسلكها العام؛ وبالتزامن مع كل ذلك انبرى إعلامهم الموجَّه ليُزيّن ويقدّس ذلك المسلك , وليتحول مع مرور الزمن إلى مجرد سخافة ممقوتة جنوباً.
إذا فالوضع غير منطقي وتحديدا محاولات إرغام الجنوبيين على التحاور مجددا مع الممسكين بالقوة والنفوذ ذاته, خاصة وأننا نرى مؤشرات على تجديد أطروحة ( الوحدة أو الموت ) مرفق بها مستلزماتها الضرورية والتي تنطوي هذه المرة على فعليّة كثيفة, شاهرة إخراجها من التهديد بالقوة, إلى الفعل, بعد ان غدت المطامع واقعاً موضوعياً وذاتياً بالنسبة للشمال أي انه أصبح وضعاً متصلاً وبقوة بمدى بقائهم واستمرارهم بنهب الجنوب.