fbpx
الحراك الجنوبي التحديات والمخاطر

الحراك الجنوبي التحديات والمخاطر

 صالح محمد قحطان المحرمي   

القضية الجنوبية ليست قضية اختلقها حزب أو شلة فقدت مصالحها كما كان يقول الرئيس الصالح،، أنها قضية شعب استعبد واستعمر واحتل بالقوة العسكرية،، وهي قضية ارض احتلت وثروات نهبت وتنهب ،، وهوية وثقافة تطمس ،، وتاريخ يزور ودولة دمرت ،، ولأنها قضية عادلة ومشروعه سوف تنتصر اليوم أو غدا بالحراك أو بغيره بهذه القيادات أو بغيرها ويبقى دور الأفراد أو القيادة يتعلق بعامل الزمن بين أن تعجل وتسرع بعملية انتصارها وبين ان تكون هذه القيادات كابح ومعرقل ومعطل لانتصارها ، وعلى قيادات الحراك أن تراجع حساباتها لتعيد ترتيب أوراقها وتتخلص من عيوبها قبل فوات الأوان.

 وإذا كانت القضية الجنوبية هي قضية شعب فهي لاتعني ولا تهم مكون أو حزب أو فصيل بمفرده فقط بقدر ما تهم شعب الجنوب بكل قواه ومكوناته ،،وان أي رؤى او مشاريع ينبغي أن تحترم دون محاولة فرضها على الآخرين بالقوة ودون إلغاء او تهميش او مصادرة لأرى الآخرين ،،

وعلى القوى السياسية بتنوعها وتعددها ان تعي جيدا  ان لا احد وصي على شعب الجنوب  ولا احد يمثل الجنوب إلا بمقدار حجمه والذي لا يمكن أن يقاس إلا من خلال صناديق الاقتراع مستقبلا .

لقد آن الأوان إن يعاد لهذا الشعب اعتباره وقراره في تقرير مصيره بنفسه الذي غيب وصودر لأكثر من نصف قرن وان تحترم إرادته ورغبته بغض النظر أن كانت تلتقي مع رغبة هذا الحزب أم لا .

إن الحراك الجنوبي السلمي ليس حزبا بل حركة شعبية متنوعة ومتعددة سياسيا وفكريا واجتماعيا وهو حامل القضية الجنوبية والممثل الرئيسي وليس الوحيد وان عظمة الحراك الجنوبي السلمي (مع خطيين تحت سلمي ) تكمن في عدالة ومشروعية قضيته التي يحملها ويناضل من اجلها.

 وان قوة الحراك الجنوبي السلمي تكمن انه قام بنائه على قاعدتين رئيسيتين هما انتهاج أسلوب النضال السلمي كأسلوب نضالي حضاري وعملية التصالح والتسامح الجنوبي التي تؤمن وتقر بقبول الأخر وهما ما جعلته محل أعجاب وتقدير الداخل والخارج ولذلك  إن إفراغ الحراك الجنوبي من مضمونه السلمي وجرة للعنف والشغب والسلاح  سيفقده تحالفاته الجنوبية وتعاطف الخارج الذي سوف ينقلب ضده  وسيدعم نظام صنعاء للقضاء على الحراك عسكريا وهذا يعني أن يقدم الجنوبيين بأيديهم شهادة موت ودفن القضية الجنوبية – لا سمح  الله –

ان الدعوات للكفاح المسلح أو إلى العنف أو الفوضى والبلطجة هي تتنافي مع طابع نضال الحراك السلمي ،، وان أي لغة تنادي إلى التعصب الحزبي والشمولية ورفض الأخر وتخوينه وتكفيره ومحاولة مصادرة الأخر بالقوة أو تكميم الأفواه هي تتنافي كذلك مع عملية التصالح والتسامح وتتنافي مع الديمقراطية والتعددية السياسية والحريات وحقوق الإنسان التي ينادي بها الحراك الجنوبي السلمي وبالتالي فان الحراك الجنوبي السلمي ينبغي ان يكون له موقفا واضحا وصريحا وموحدا بل ويتصدى لأي عمل أو سلوك خاطئ يتنافي مع قيم ديننا وأخلاقنا وطابع نضالنا السلمي وبالمبادئ التي يتبناها الحراك وقام عليها كالتصالح والتسامح والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ولا اعتقد  أن نقد الأخطاء والعيوب شيء يعيب الحراك أو يضره بل انه من واجب ومصلحة الحراك أن يتصدى للممارسات والأعمال التي تضره وتشوهه أو تضعفه ويستغلها الأعداء للنيل من الحراك وقضيته العادلة .

ومن المهم هنا التأكيد انه لا يمكن أن نتحدث عن مشروع حضاري قادم وعن دولة تستوعب كل الجنوبيين وتتوفر عناصر البقاء والتقدم والنجاح دون أن نتحلى ونتمثل بقيم ديننا وأخلاقنا الإسلامية ودون أن تتمثل قيادات الجنوب بتلك المثل والقيم وتقديم القدوة الحسنة وهو ما افتقده النظام الجنوبي السابق وكان سببا في زواله وهو ما نحتاجه اليوم

 

إن العمل العشوائي والتفرد وغياب  الرؤية السياسية الموحدة التي تحدد  نظرة  وموقف الحراك من مختلف القضايا وتعريف القضية الجنوبية ومن هم أعدائها ، ومن هم حلفائها وأصدقائها ، وما هي الدولة التي يناضل الجنوبيين من اجلها ، وشكل النظام السياسي القادم ، والتحالفات الجنوبية – الجنوبية، والتحالفات الخارجية وموقف الحراك من القضايا الإقليمية والعالمية وحقوق الإنسان والديمقراطية والتطرف والإرهاب الخ ,, كل تلك القضايا امتلك الحراك منها مواقف متناقضة قادت قيادات الحراك الى التخبط والصراع وحالت دون توحيد الجنوبيين ودون تقدم القضية الجنوبية وتفهم الخارج لها ودعمها ولم يقتصر الأمر على تردد الخارج فقط بل وتخوفه وقلقه كذلك .

 

ولو أن الحراك امتلك من البداية موقفا تقيمياً ونقديا وطهر نفسه من بعض الشوائب وامتلك قيادة سياسية كفؤة تمتلك برنامج ورؤيا واضحة  ذات خطاب سياسي وعلامي واقعي يطمئن القوى السياسية الجنوبية الأخرى لاينفر ولايستعدي احد ، ويطمئن الخارج ولا يستعدي ابناء  عدن من اصول شمالية ولايستعدي الشعب الشمالي ودول الجوار الخ ،، لما كان هذا وضعه من الوهن والتعثر والتشرذم والضبابية ولما وجدت هذه المخاوف لدى القوى الجنوبية عموما وبين مكونات  الحراك خاصة ولدى الخارج كذلك.

 

ولذلك فأنه ينبغي على القوى السياسية الجنوبيين وتحديدا قيادات الحراك أن تعي جيدا انه  لا يمكن للقضية الجنوبية إن تتقدم وتنتصر إذا لم تخرج من دائرة العشوائية إلى العمل السياسي المؤسسي المنظم ، ومن دائرة التخبط وعدم الوضوح إلى وضوح الرؤية التي تقدم إجابات وحلول للأسئلة الملحة  والقضايا التي قسمت وفرقت الجنوبيين حول رؤية توحيدهم ، وتبلور منهجاً موحداً وموقفا سياسيا  وخطاباً إعلامياً  مسئولا  وشعارات موحدة وتحركاً  سياسياً ودبلوماسياً موحداً  ومتناسقاً ، يفضي إلى النصر والحرية.

إن مشكلة القضية الجنوبية اليوم وما تواجهه من صعوبات وعراقيل لا تتعلق بالخارج بقدر ما تتعلق بالجنوبيين أنفسهم في خلافاتهم وعدم قدرتهم على تجاوز تلك الخلافات وتقديم قيادة جنوبية موحدة للعالم يتعاطي ويتحاور معها كممثل للشعب الجنوبي وهو ما يفتقده الجنوبيين وما تنتقص القضية الجنوبية وما ينبغي إن يتجاوزه الجنوبيين بأسرع واقرب وقت ممكن .

أمام الجنوبيين تحديات تحتاج أن يقدموا تصور مقنع لكيفية تجاوزها وكيفية التعامل والتعاطي معها وإنهم قادرين بالفعل على إدارة مناطقهم والسيطرة عليها ليس بالكلام بل بتقديم رؤية تقنع العالم على قدرة الجنوبيين على السيطرة على مناطقهم وحمايتها من الفوضى والتطرف وهذه القضية تشكل تحدي واختبار حقيقي للجنوبيين حتى يقتنع الخارج بدعم الجنوبيين وهذا الأمر لا يمكن له أن يتم بدون قيادة جنوبية موحدة تقنع ويقتنع بها العالم لكي يتعاطي معها .

 

باختصار هناك مخاوف داخلية جنوبية جنوبية ينبغي أن تطمئن الناس وهناك كذلك مخاوف خارجية تحتاج كذلك إلى تطمين وهناك أسئلة تحتاج إلى إجابات وهناك تحديات ومخاطر تحتاج إلى عمل ليس بالكلام بل بتقديم مشروع عملي واقعي يترجم على الأرض يبدد هذه المخاوف ويجيب على الكثير من تساؤلات الداخل والخارج ومثل هذا المشروع لا يمكن أن يتم دون ترتيب البيت الجنوبي ودون قيادة جنوبية موحدة كشرط له لأنه لا يعقل أن لم تستطيع أن ترتب بيتك أن تلوم الآخرين لماذا لم يساعدونك على ترتيب بيتك .

الجنوب ليس محتاج لشعارات وبيانات وخطب رنانة ومهرجانات نأتي نلمع بها هذا القائد أو الزعيم ،، الجنوب ليس محتاج أن نزايد على بعضنا البعض بشعارات السبعينات ،، الجنوب محتاج إلى برنامج عملي ملموس يخرج الجنوبيين من هذا الوضع وينقذ الجنوب والجنوب محتاج إلى خطاب أخر غير هذا الخطاب الذي يحشرنا في زوايا ضيقة ويخسرنا يوميا ويقسم الجنوبيين ويخوفهم من بعضهم البعض بل ويخوف الخارج ويقلقه كذلك .

 

التحديات كبيرة والمخاطر كثيرة ،، وعلى الحراك الجنوبي وتحديدا قياداته  ان ننفتح على الآخرين ونتجاوز محيطها  الصغير والضيق وتتحاور مع الآخرين لكي نتجاوز خلافاتنا ونعمل على ايجاد ميثاق جنوبي يحوى المبادئ والقواسم المشتركة وتشكيل جبهة جنوبية موحدة وقوية تخاطب العالم وتقنعه بعدالة قضيتنا وما التوفيق الا من عند الله .