fbpx
فرنسا ما بعد العاصفة: ليس الجميع “شارلي”
شارك الخبر

يافع نيوز – العربي الجديد

أخذ المشهد الداخلي الفرنسي يتبدل بعد أكثر من أسبوع على هجمات باريس، إذ يتسع هامش المناكفات السياسية، فيما بدأت تظهر أصوات مختلفة عن مشهد “كلنا شارلي”، لتنتقد الصحيفة والرسوم الكاريكاتورية.

ساركوزي مستعجل
نيكولا ساركوزي “رجلٌ في عجَلة من أمره” ينتظر ساعته، كما تقول رواية الدبلوماسي الفرنسي الراحل بول موران. يتتبع خطوات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في إدارته للأزمة التي عصفت بالبلاد بلا أخطاء. ساركوزي ينتظر ليقتنص فرصته. بدا ذلك جلياً وهو يتسلل، مع زوجته كارلا بروني، في التظاهرة الكبرى في باريس، كي يقترب من الصف الأول الذي كرّسه البروتوكول لرؤساء الدول. المشهد الذي تلقفته وسائل التواصل الاجتماعي لتجعل منه مادة للسخرية.

الأزمة حشرت الرجل في الزاوية، ودفعته إلى ضبط انفعالاته لأن المرحلة تتطلب الوحدة الوطنية بين الحزبين الكبيرين، على الأقل، “الاشتراكي” الحاكم، و”الاتحاد من أجل حركة شعبية” اليميني المعارض. ليس ساركوزي وحده. الرجلان معاً أبديا رباطة جأش، رغم شهرة الأول بسرعة الغضب والاندفاع (حين قال “سأطهّر الضواحي بالماء الضاغط”) والثاني بالتردد وروح الفكاهة، التي غالباً ما تنقلب عليه (حين قال “الفقراء الفرنسيون بلا أسنان!”).

لكن الأمور لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. فالرئيس فرانسوا هولاند سيكون عليه أن يستجيب للمواطنين في ملفات العمل والتقاعد والضرائب. بينما يتوجب على ساركوزي الرد على مطالب معسكره، وخاصة الجناح اليميني الذي قَبِل “الوحدة الوطنية” على مضض.

سيكون على ساركوزي أن يكون أكثر عدائية لـ”الإسلاموية”. لكن إن كان الأخير يُظهر رباطة جأش في الإعلام من أجل مراعاة متطلبات الوحدة الوطنية، غير أنّ عليه الآن أن يطلق العنان لمشاعره وأفكاره أمام مناضلي حزبه في الاجتماعات الداخلية، ويستعيد قراءته المُحافظة واليمينية للأمن والدين والاقتصاد والمدرسة، وقد لا يتورّع عن التهجم على البرقع والنقاب ويطالب الحكومة بتطبيق القانون الذي يحظرهما.

الحداد في فرنسا انتهى. وسيبدأ ساركوزي، في أقرب وقت، الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القريبة جداً، كما أن عليه أن يفرض سلطته وهيبته على أكبر حزب سياسي معارض، قبل أن يستعد للترشح الداخلي كي يكون مرشح اليمين الأوفر حظاً في استحقاقات 2017 الرئاسية.
وسيكون عليه في الوقت نفسه أن يُغري الأصوات الإسلامية التي صوتت في معظمها لهولاند في انتخابات 2012. وسيعمل على استغلال تبدل موقف ناخبي اليسار من أصول مغاربية، والذين انقلبوا إلى اليمين، ومنهم موقران كيسي، الذي يتهم اليسار بخيانة الأحياء الشعبية خلال ثلاثين سنة، وهو السبب الذي دفع بها إلى تفريخ الإرهاب.

لست شارلي
فرنسا ليست كلّها شارلي. ورغم ما تظهره العلمانية المتشدّدة، فقد بدأت هستيريا “الإجماع” تفسح المجال للإنصات لأصوات تُدين العنف والإرهاب، ولكنها تقول شيئاً مختلفاً. لكن حتى الآن يبدو أنّ هناك رفضاً لهذه الأصوات، يظهر ذلك جلياً في المدارس والجامعات. فحين يرفض بعض الطلبة خطابات أساتذة علمانيين متحمسين، يأتي الجواب جاهزاً من ناثالي كوسيسكو- موريزي، نائبة نيكولا ساركوزي: “نحن أمام شباب لا يملكون هوية”. وحين يُسأل عن رسوم شارلي الجديدة المستفزة والجارحة للكثير من المسلمين، تُجيب بكلّ بساطة “إنهم ليسوا مُرغمين على قراءة شارلي إيبدو”.

يظهر هذا الانقسام أيضاً في الاستطلاع الذي أجرته صحيفة “لوجورنال دي ديمانش”، عن مدينة مارسيليا، ثاني أكبر مدن فرنسا، وحمل عنوان “مارسيليا ليست شارلي”. تناول الاستطلاع لقاء مع سكان أحياء شعبية كبرى في مارسيليا، لم يؤيدوا الاعتداءات، ولكنهم يشعرون بأنهم خارج الوحدة الوطنية. يعرض الاستطلاع  شهادات صادمة، من قبيل اعتراف السيدة “هوارية”، المنتخبة السابقة عن حزب اليسار الفرنسي، والتي تقول: ” تظاهرتُ لأني إنسانوية، ولكني أعتبر شارلي مسؤولةً عن أفعالها”. بينما يشير آخرون، بأسف إلى غياب أي وزير فرنسي في جنازة الشرطيين أحمد مرابط وكلاريسا اللذين قتلهما المجرمون. في حين يقول مالك، في نوع من السخرية اللاذعة: “تأتي الشرطة وتضع لنا مخالفات ونحن في صلاة الجمعة”.

وفي السياق نفسه، تبدي السلطات الفرنسية قلقاً لأن أئمة المساجد الشباب الذين يتم تكوينهم في فرنسا، بحسب ما تطلق عليه السلطات الفرنسية بـ”الإسلام الفرنسي”، لا يسايرون مواقف الحكومة ووزارة الداخلية الفرنسية. وتنقل صحيفة “لوموند” تذمر هؤلاء الأئمة الشباب من “سياسة الكيل بمكيالين التي تلتزمها الحكومة والقانون الفرنسيان”. ويظهرون ترحيبهم بخطاب قداسة البابا حول رفض “الاستفزاز والشتم والاستهزاء”. ويتساءلون: “لماذا تَحظُر الدولة الفرنسية معاداة السامية وتحاربها، ولا تفعل ذات الشيء مع الإسلاموفوبيا؟!”

تأتي هذه الحقائق في وقت كشف فيه استطلاعٌ جديد للرأي، نشرته “لوجورنال دي ديمانش” أن 42 في المائة من الفرنسيين يرون أنه يتوجب أخذ ردود المسلمين الغاضبة على الرسوم الكاريكاتورية بعين الاعتبار. في حين أن غالبية الفرنسيين، أي نسبة 57 في المائة، لا يرون ذلك.

ولا يمر يوم من دون أن يشتعل السجال نفسه حول الحرية و”منع المنع” باسم الحرية. وفي السياق، أيّدت المحكمة الإدارية في باريس، قرار مديرية الأمن في المدينة، بحظر خروج تظاهرة مناهضة للإسلام تنظمها جمعيات يمينية متطرفة في البلاد. وكانت مديرية الأمن أصدرت قرار الحظر وبررته بأن التظاهرة “تتضمن كراهية للإسلام، ومن شأنها أن تهدد النظام العام”.

وكانت جمعيات يمينية متطرفة مثل حركتي “المقاومة الجمهورية”، و”الرد العلماني”، قد دعتا إلى تنظيم مظاهرة يوم الأحد تحت عنوان “دعونا نطرد الإسلاميين خارج فرنسا”. وتشير معلومات إلى وجود ارتباط بين تلك الجمعيات وحركة “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب”، (بيغيدا) المعروفة بمعادتها للإسلام والأجانب.

 

أخبار ذات صله