fbpx
باحث ومحلل سياسي وعسكري جنوبي يجيب عن السؤال الذي حير الجميع..ما الذي حدث في صنعاء ؟
شارك الخبر

يافع نيوز – العميد ركن –  ثابت صالح :

توطئة :

عندما قال السيد جمال بن عمر (إن ما حدث في اليمن كان خارقا” للعادة ) فانه لم يبالغ آو يجافي حقيقة ما حدث من تحول نوعي لم تشهده صنعاء منذ أكثر من خمسين عاما”.

جوهر وهدف التحول الثوري النوعي الذي جرى بقيادة حركة أنصار الله يكمن في زعزعة عروش “المركز المقدس” كما وصفه د.ياسين سعيد نعمان .

هذا المركز المتمثل بالمجمع القبلي العسكري الديني الذي استحوذ على مقدرات اليمن ومقاليد الحكم فيها منذ 26سبتمبر 1962م وان شئنا أن نكون أكثر دقة منذ 5نوفمبر1967م وبصورة أكثر وقاحة وشراهة وضراوة منذ حرب 1994م ضد الجنوب الشريك الذي حاول بناء دولة الشراكة والمواطنة المتساوية ليخسر دولته التي كانت مهابة بوطنها ومواطنيها .

وبنتيجة هذه الحرب انفرد تحالف الحرب بأضلاعه الثلاثة العسكري والقبلي والديني بفرض سيطرة مطلقة على البلاد والعباد . قاوم شعب الجنوب ورفض واقع الاحتلال وانطلق الحراك الجنوبي السلمي كأول ثورة تحررية سلمية في الوطن العربي خلال القرن الحالي … مما شجع الشعب في الشمال إلى التحرك ضد الاستبداد والفساد … وكان لحركة الحوثيين دورها الفعال- التي كانت قد واجهت ستة حروب ظالمة شنتها سلطة المركز المقدس- كان لهذه الحركة دورا فعالا في انطلاق ثورة فبراير2011م … هذه الثورة خطفها جزء من هذا ” المركز المقدس ” وحولها إلى أزمة سياسية وبموجب المبادرة الخليجية تخلى صالح عن السلطة مقابل الحصانة له ولمن عمل معه خلال 33 عاما” !!! وتم تجاهل اهم قضيتين جوهريتين هما القضية الجنوبية وقضية صعده .

وعلى الرغم من الجهود التي بذلت لحل هاتين القضيتين من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل -الذي لم تشارك فيه قوى الحراك الجنوبي الفاعلة – إلا أن قوى المجمع العسكري القبلي الديني او المركز المقدس حالت دون الوصول إلى حلول عادلة ومنصفة وبغطرستها المعهودة رفضت مجرد الاستماع لرؤى مكونات أنصار الله والحراك والحزب الاشتراكي … بل وحاولت الالتفاف والتحايل على مخرجات الحوار على علاتها وتواضعها وعدم تلبيتها للحدود الدنيا من متطلبات الحلول. وبعد مرور ما يقارب العام على هذا المؤتمر ودون الشروع في تنفيذ مخرجاته لنفس الأسباب التي اشرنا اليها …قام أنصار الله بتحرك شعبي وسياسي وعسكري غير مسبوق مستندين إلى نضوج حالة ثورية ودعم شعبي وانتصارات في الميدان في مقابل انهيار خصومهم الإصلاحيين والقبليين الموالين لهم في عمران والجوف. كان أنصار الله ومنذ بداية تحركهم واثقين من نجاحهم في مواجهة قوى المركز المقدس والقضاء عليه او تحييده في اضعف الايمان .

اما هذا المركز فقد حاول مواجهة هذه التحرك بتحرك مضاد حشد بحشد ورفض او مساومة تنفيذ المطالب والتحريض على استخدام القوة ضد “المتمردين ” … لكن ذلك كله لم يفلح في وقف حركة أنصار الله المدعومة شعبيا وعسكريا علنا” وسرا” فتهاوت عروش وغرور قوى الفساد والاستبداد في عقر دارها.

هل سقطت صنعاء أم استسلمت أم رحبت وانضمت إلى الحركة التي تصدرها أنصار الله ؟ حاول البعض وصف ما حصل بسقوط صنعاء وانهيار الجيش وانكسار هيبة الدولة وخيانة ومؤامرة وغيرها من التصنيفات والإسقاطات البعيدة عن التحليل الموضوعي العلمي !!! جوهر الخطأ في هذه التحليلات انها تقوم على أحكام جاهزة وقناعات مسبقة تجاه حركة أنصار الله بتصويرها (كمجموعة مسلحين متمردين وخارجين عن النظام والقانون جاءوا من كهوف مران لاحتلال صنعاء!!!( وتناسى هؤلاء أن حركة أنصار الله لم تعد كما كانت عند تأسيسها في جبال مران بصعدة قبل سنوات بعيدة كحركة مذهبية طائفية بل اضحت تيارا “سياسيا” وشعبيا” وعسكريا”قويا” وفعالا” ولها أنصارها وامتداداتها في صنعاء وكل المحافظات الشمالية منذ سنوات طويلة. وتحرك هذا التيار مختارا” اللحظة التاريخية المناسبة ونضوح الظروف الموضوعية (حالة الغليان الشعبي جراء وصول الاوضاع العامة إلى حالة لا تطاق ) والظروف الذاتية ( نضوح الوعي الثوري والقيادة السياسية والزعامة ) .

وباختصار شديد جاء تحرك أنصار الله بعد دراسة دقيقة وتقدير سليم للموقف وقرارات مدروسة وخيارات متعددة ومسارات صاعدة وفاعلة. وتم استخدام الوسائل والادوات السياسية والإعلامية والشعبية والعسكرية بصورة متناسقة ومتلأزمة. استطاع أنصار الله كسب تأييد قطاعات واسعة من الشعب من عامة الناس والقبائل والجيش والامن وتحييد البعض الآخر وحصر الصراع مع طرف سياسي بعينه هو الإصلاح والقبائل الموالية له ووجهوا سهامهم باتجاه الحكومة الفاشلة وغول الفساد والاستبداد وكل هذا لقي ترحيبا وتأييداُ وأنعش آمال اليمنيين في التخلص من قوى الفساد والاستبداد المزمنة والتغيير الجذري الذي فشلت في تحقيقه ثورة فبراير 2011م. كيف أُديرت هذه الأزمة تفاوضيا” وسياسيا” وامنيا” وعسكريا”وكيف انتهت إلى تحول تاريخي فاصل ؟     بتحرك أنصار الله ورفعهم للمطالب الثلاثة: إسقاط الجرعة وإقالة الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار يكون الصراع السياسي قد تجاوز الخصمين اللدودين( أنصار الله والإصلاح)ليشمل قضايا وطنية تعني الجميع ليكسب هذا التحرك زخما شعبيا وسياسيا كبيرا . تمثل تحرك أنصار الله باقامة الاعتصامات المحمية بالسلاح في العاصمة صنعاء ومداخلها الرئيسة وفي اماكن هامة اختيرت بدقة وتحريك المسيرات السلمية في شوارع صنعاء وبعض المدن الآخرى وبشكل تصاعدي وتوسع افقي وراسي مثير للدهشة.

في حين تجاهلت الحكومة هذه المطالب في بداية الامر ثم حاولت التشكيك في النوايا التي تقف خلف هذه المطالب ثم انتقلت إلى تشكيل ما سمي بهيئة الاصطفاف الوطني التي هيمن عليها حزب الإصلاح …هذه الهيئة كررت سياسة النطام السابق عام 2011م (ساحة بساحة ) وحرب اعلامية ونفسية ادت إلى فرز وانقسام سياسي ومجتمعي قائم على (مع وضد) وحصرت التعامل مع التحرك الذي قاده أنصار الله بين الرفض او المواجهة .

لكن ذلك لم يجد نفعا بل وفر شروط نشوء أزمة شاملة … فلجا رئيس الجمهورية إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم في البحث عن حلول سياسية للخروج من هذه الأزمة . فكانت اللقاءات الموسعة لكبار قادة ومسؤولي الدولة والاحزاب والتي وصلت إلى استنتاج مفاده أن لا حل لهذه الأزمة سوى الحل السياسي وبمشاركة الطرف الآخر – رغم ارتفاع بعض الأصوات التي طالبت باستخدام القوة “لإعادة الغزاة إلى كهوفهم”- .

اذا” كان خيار التفاوض هو الممكن والاصوب فتم إرسال وفدا إلى صعده … ومعروف مسار هذا التفاوض ومخاضاته وتعقيداته ونتائجه . تعمدت بعض القوى افشال التفاوض من خلال حرب الإشاعات والتصريحات والتسريبات … ناهيك عن ان مهمة اللجنة الرئاسية تراوحت بين ايصال الرسائل بين صنعاء وصعدة وبين استطلاع راي الطرف الآخر دون امتلاك صلاحيات التفاوض بشان الحلول. عادت لجنة الرئاسة إلى صنعاء وقدمت تقريرها على عجل متلهفة لقطف ثمار مهمتها الغير ناضجة اصلاُ وكأنها تحاول انتزاع أوراق الضغط الحوثية … فاقترحت تخفيض 500ريال وتشكيل حكومة وحدة وطنية !!! وتلتها مطالبة هيئة الاصطفاف بالدعوة إلى تخفيض الجرعة واقالة الحكومة !!! ورغم تواضع هذه الخطوة فقد كان من اهم اخطائها انه لم يتم التوافق مع الطرف الآخر وان الدولة امضت من طرف واحد في نفس اليوم في تنفيذ التخفيض.

اما موضوع الحكومة المقترحة فاول من تخلى عنها حزبا المؤتمر والإصلاح اللذان اصرا على التمسك بالمبادرة الخليجية العتيقة التي عفى عليها الزمن وطوتها مخرجات الحوار . في حين صعد أنصار الله من تحركهم على الارض مع ابداء مرونة تفاوضية ملموسة حول مطالبهم وخاصة القبول ب1000ريال تخفيضا”للجرعة… مما حشر الحكومة والاصطفاف في زاوية ضيقة .

تفاوض في صعده وتصعيد ميداني في صنعاء :  

كانت صنعاء في سباق مع الزمن تتابع بقلق بالغ المسارات التفاوضية والإعلامية والميدانية … وكانت بعض الاطراف السياسية والقبلية والعسكرية في صنعاء قد استنفذت المسار التفاوضي في وقت مبكر لتدفع باتجاه خيار المواجهة المسلحة مع أنصار الله وسخرت لذلك الماكنة الإعلامية الضخمة من الوسائل والكتاب بما فيها الحكومية وخاصة قناة اليمن الفضائية وساعدتها وسائل إعلام خليجية وخاصة عكاظ وقناة العربية وتلك الوسائل التي لها مراسلون يمنيون ممن كانوا لا يفرقون بين الرغبات والمهنية. ومارست هذه القوى ضغطا” شديدا” ومتواصلا” على الرئيس ووزير الدفاع لاستخدام القوة لانهاء ما اسموه بتمرد أنصار الله وترافقت هذه الضغوطات مع حملة تشكيك واتهامات للرئيس ووزير الدفاع وللجنوبيين بالخيانة والمساومة وعدم أهليتهم لإدارة الدولة . وعلى الرغم من ذلك كان أداء الرئيس شخصيا” ووزارة الدفاع متوازنا” ومتزنا” حال دون الانزلاق إلى حرب أهلية طاحنة كانت ستخسر معها الدولة ما بقي من جيش ومؤسسات.

بروفات أولى مواجهة :

شكلت محاولة فض اعتصام المطار بالقوة وقتل 8 وجرح العشرات من المشاركين في مسيرة شارع الاذاعة بالقرب من مجلس الوزراء … شكلت تحولا خطيرا في مسار الصراع ووضع الناس ايديهم على قلوبهم خشية من الرد العنيف لأنصار الله غير ان هؤلاء تحلوا باعلى قدر من ضبط النفس رغم ماعرف عنهم من اندفاع وتهور ويبدو ان مرد ذلك إلى حالة الانضباط والتنظيم الصارمة في صفوف أنصار الله الامر الذي ضاعف من رصيدهم لدى الراي العام . اما المواجهة في حزيز فقد مثلت بروفة اولية لمواجهة شاملة.

الأداء الإعلامي : 

كان الاداء الإعلامي للحكومة وللاصلاح تحديدا” مرتبكا” ومتناقضا’ وفي احيان كثيرة فاقدا” للمصداقية فكان يتحدث عن استعدادات واستنفارات كبيرة في صفوف حزب الإصلاح وكان يتحدث عن انتصارات وهمية ويبشر بحسم سريع وخاطف للأزمة مع أنصار الله بينما كان الناس يرون عكس ذلك تماما” كما حدث في مواجهات التلفزيون وتبة صادق وجامعة الايمان والفرقة الاولى مدرع ليصابوا بصدمة الواقع المختلف تماما” مع ما صورته وسائل الإعلام. في حين استطاع اعلام أنصار الله رغم محدودية امكاناته من ربط نشاطاته بفعاليات ونجاحات ملموسة في الميدان وبالتالي فقد استطاع هذا الإعلام ان يحافظ على مصداقيته إلى حد ما ولعب دورا هاما في رفع معنويات أنصاره .

الأداء القتالي :

لا بد من التذكير أولاً بان الجيش اليمني لم تتغير تركيبته الاجتماعية وولاءاته منذ 2011م إلا قليلا بدخول مؤثرين آخرين هما الإصلاح والرئيس من خلال عملية الهيكلة التي لم تكتمل بعد وبالتالي فقد اثر هذا على موقفه من الأحداث الأخيرة في صنعاء . والجيش في الأول والأخير جزء لا يتجزأ من التركيبة الاجتماعية اليمنية. كانت مطالب حركة أنصار الله ذكية ووجيهة بغض النظر عن نواياهم البعيدة المدى إلى درجة أحرجت الطرف الآخر وكان اداءهم السياسي والإعلامي مؤثرا وفعالا” على الجيش ايضا”.

لذلك وحتى لا نترك ثغرة في سرد سياق الأحداث نشير إلى انه وبوصول السيد جمال بنعمر انتقل اليه الملف التفاوضي وتمكن بصبره ودبلوماسيته وحنكته الوصول إلى أهم بنود الاتفاق بين الطرفين … لكن طبول الحرب كانت تقرع في صنعاء فاندلعت مواجهات قرية القابل وشملان ثم انتقلت إلى شمال العاصمة صنعاء.   ما الذي عجل بحسم الموقف لصالح أنصار الله ؟

  للاجابة على هذا السؤال فتش عن السياسة:

داخليا” كان التيار السياسي في الإصلاح (تيار الإخوان) قد حسم امره بالتحرر من هيمنة الجناحين القبلي والسلفي وتخلى عن الدفاع عن الحكومة ورئسها خاصة وأعلن انه لن يدافع عن الفرقة الاولى مدرع او جامعة الايمان وكذلك فعل الشيخ صادق مستفيدا من درس عمران التي خسر فيها مشيخته وكان لافتا ان أنصار الله لم يهاجموا بيت الشيخ عبدالله في الحصبة ومروا مصافحين لحراسة بيت اليدومي في الروضة . في حين اختفى الزنداني وتوارى عن الظهور .

اما الرئيس السابق وحزبه فقد تراوحت مواقفه بين التأييد العلني للرئيس والتأييد السري لأنصار الله الذين التقت معهم مصالح الثار والانتقام من الإصلاح ومن اللواء علي محسن والرغبة في اسقاط الحكومة والرئيس او اضعافه .

خارجيا ورغم ان السعودية ظلت عبر وسائلها الإعلامية المقربة تحرض على الحرب” لاستئصال شافة المتمردين المدعومين من ايران”. الا ان رغبتها في التخلص من الحوثيين كانت لا تقل عن رغبتها في التخلص من الاخوان المسلمين ولم تكن تضمن نتائح ايجابية لتدخل عسكري سعودي او غيره … لذلك التقت مصالح الخارج السعودي والايراني والامريكي في هذه الأحداث وبشكل لا يخلو من التناقض والتردد والارتباك.

واستطاع أنصار الله استثمار الموقف الخارجي إلى جانب الداخلي للسير قدما” في تحركهم. مسالة اخرى في غاية الاهمية كانت حاضرة وهي هزيمة اللواء 310 مدرع في عمران وهي التي اثرت بشكل مباشر على اللواء 314 مدرع المعني بحراسة القيادة العامة والتلفزيون ومجلس الوزراء و الاذاعة. كما أن خروج اللواء علي محسن من مقر الفرقة الأولى مدرع بعد أن أشيع أنه سيقود المواجهة مع أنصار الله بنفسه قد عجل في حسم الموقف لصالح أنصار الله وبأقل الخسائر .

أما قوات الاحتياط التي يقوها اللواء على الجايفي فقد آثرت الموقف الدفاعي عمليا وهو تقريبا يتماشى مع الموقف العام للجيش وأخيراُ لوزير الداخلية نفسه. حسم الموقف العسكري في صنعاء لصالح أنصار الله وتم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية وانتصر أنصار الله وانكسر خصومهم ولكن إلى حين … هذا ما ستكشفه الأيام القادمة وسنواصل تسليط الضوء عليه في مواضيع لاحقة إن شاء الله .

 

*باحث ومحلل سياسي وعسكري جنوبي

أخبار ذات صله