fbpx
هل يخوض أنصار الله حربا أخلاقية باقتحام العاصمة باسم مطالب الشعب ؟

 

كل حرب بشرية تحدث داخل المجتمعات أو بين الدول فإنها تُحدث دمارا هائلا ماديا ونفسيا للإنسان؛ كونها تحدث معاناة بشرية شديدة.. لذلك فمن الصعب أن تكون موضوع توصيف أخلاقي كبير حتى وإن استخدمت في جدال يحمل مفاهيم ومبادئ مقتبسة من نظرية الحرب العادلة في القرون الوسطى.. فمفاهيم الحرب العادلة أضحت جزءًا من الكلمات المستخدمة في مناقشة الحرب، ولم يعد الأمر خيار العدل أو الحق في كثير من الحروب؛ لأن السياسة هي التي تقرر عدالتها وأحقيتها، بينما السياسة في كثير من حالات الحروب لا أخلاق لها ولا إنسانية، ومن يحركها – أي الحرب – لا يفكر عادة بجوانب قيمية أو أخلاقية لها تجاه من يحاربه.. موضوعنا متصل هنا ليس بصدد الحرب بآثارها الاجتماعية، ولكن المقصود هو المبرر والذريعة الأخلاقية لقيامها تحت اسم محاربة الفساد وإسقاط الحكومة والجرعة كمطالب شعبية يقودها أنصار الله.
إن التحدي الأكبر لهذه الحرب، التي حتما ستحدث إذا تم اقتحام العاصمة من قبل أنصار الله، لكن ما هي الذرائع المتبعة في هذه الحرب المحتملة:
أولا/ هل هي مبدئيا مرتبطة أو منفصلة عن سياقها اللاهوتي، طالما كان التحدي الذي أطلقه الحوثيون يبدو قويا وواثقا من حسم نتيجة الحرب.
ثانيا/ مدى التبرير لهذه الحرب.. هل تعتبر خيارا شعبيا، أم أنها جاءت لتطبيق مبدأ سد الذرائع دينيا لتغيير الواقع.. هل تكون لصالح الشعب كما هو التوصيف.. أو لهدف القضاء على الخصم التقليدي؟.
أيا كانت الفرضية القائمة، فكلا الطريقتين قابلة للاستثمار السياسي وواردة في الهدف ولو بطريقة ضمنية، حيث إنها في الأولى مبدأ رئيس عند الإمامة، وهو الخروج على الظالم، وفي الأخرى تعتبر متغيرا تتناسب والظروف التي هيأت الفعل.
في مبدأ الزيدية يؤكد الجنداري في كتابه (الرحيق) بالقول: “إن الزيدية اسم يطلق على أئمة الآل ومن تابعهم في العدل والتوحيد، والقول بإمامة زيد بن علي، ووجوب الخروج على الظلمة”؛ لأن انتماءهم إلى الشيعة جعل خصومهم السنة يروجون ضدهم بأنهم روافض، وباطنيون، ومارقون، وغيرها، استغلت سياسيا للمكايدة.. وإن كانت الزيدية إحدى فرق الشيعة الثلاث: (الزيدية، الأثنا عشرية،الإسماعيلية)، أي (زيدية، إمامية، باطنية)، ولكن الزيدية أعدلها وأقربها إلى مذهب أهل السنة والجماعة، كما يؤكد على ذلك القاضي إسماعيل الأكوع، إذ كانت في بداية ظهورها، وعصر نشأتها على ما كان عليه السلف الصالح من العمل بأحكام كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقط.. عدا أنها خالفت أهل السنة في فكرها الديني في أمرين: أحدهما: نزوعها في العقيدة إلى الاعتزال، والذي قد شاع في بعض أهل البيت، وهو الجدل والكلام، فكان أحد مبررات الدفاع عن الدين، وهم أصحاب الرأي.. الأمر الآخر: الإمامة التي هي مدار اهتمام فرق الشيعة كلها، وكان زيد بن علي يرى أن علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – أحق بها بعد وفاة النبي (ص).
في المذهب الزيدي يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد مبادئ المذهب الخمسة، والذي اشترط في الإمام الخروج عند إعلان دعوته بالإمامة، كما فعل مؤسس المذهب زيد بن علي، وقد جاء في شرح رسالة “الحور العين” لنشوان بن سعيد الحميري، في القول المنسوب لزيد بن علي: “من شهر سيفه ودعا إلى كتاب ربه، وسنة نبيه، وجرى على أحكامه، وعرف بذلك، فذلك الإمام الذي لا تسعنا وإياكم جهالته.. فأما عبد جالس في بيته، مرخى عليه ستره، مغلق عليه بابه، يجري عليه أحكام الظالمين، لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر فأنّى يكون ذلك إماما مفروضة طاعته ؟”.
لاحظنا مبدأ الخروج على الظالم عند الزيدية شرط أساس لمبدأ الوصول إلى الحكم، وهي كذلك عند زيدية اليمن.. وإذا أخذنا المتغيرات والظروف الحالية، والتقدم العصري في مجال بناء الدولة، فهل يسعى الحوثي إلى الإمامة من وراء المطالب الشعبية، أو الحكم عن طريق نهج الفكر الديني الزيدي كما سبق، أم أن المتغيرات في الوضع الحالي ابتداء من فساد الحكومة وانتهاء بالمعاناة والفقر والفساد وتدهور الأوضاع الأمنية وضعف الدولة وغيرها، كانت هي المتغير الأبرز التي يقف خلفها أنصار الله، ويريدون من خلالها تحقيق تقدمهم العسكري وتوسع قاعدتهم الجماهيرية؟.
الميزة الرئيسة في الزيدية، خاصة الهادوية، أنها وسعت باب الاجتهاد الديني، خاصة في الفروع إلى حدود أنها تختلف فيها تماما، حتى عن متابعة الإمام الهادي، وربما كان الاجتهاد الديني قد وسع لديهم الاجتهاد السياسي فولد فيهم التغييرات التكتيكية مع ظروف العصر للوصول إلى الحكم، بناء على حق الأفضلية والطلب، لا بالوراثة فيه، ولكن من باب الأولوية في الإمامة وحصرها في البطنين.. ومع ذلك فإن أنصار الله قد حققوا نجاحات كبيرة على صعيد توسعهم الشعبي والولاء الإمامي والقبلي انطلاقا من التالي:
1- أنصار الله ليسوا جماعة متجانسة تماما، وقد أدى توسعهم السريع إلى مزيد من التنوع في حركتهم، بحيث جمعت تيارات دينية وقبلية، وحتى يسارية.
2- أظهرت جماعة أنصار الله تماسكها وتوحدها في مناهضة الفساد والنظام القديم الفاسد برمته، واستفادت من العشوائية السياسية في الفترة الانتقالية.
3- أظهرت حركة أنصار الله المرونة والتنظيم والمواقف السياسية التي تتقارب مع مطالب الجماهير والموقف الثوري، وحتى تقبلهم للمطالب الجنوبية المختلفة، والموقف الداعم للديمقراطية.
4- وعلى عكس مواقف الكيانات المحافظة مثل السلفيين وحزب الإصلاح، أظهر الحوثيون موافقتهم في مؤتمر الحوار على دعم حقوق المرأة، وعلى فصل الدين عن الدولة، وهو عامل تجاذب وتحدٍّ للمستقبل السياسي.
5- استفاد أنصار الله من المظلومية السابقة، والموقف السعودي المستمر ضدهم، فكسبوا تعاطفا كثيرا من أفراد المجتمع اليمني ومن القبائل معهم.
6- الموقف الأكثر قابلية للاستثمار كان وقوفهم ضد الجرعة، وهو الذي أكسبهم التأييد الشعبي نسبيا بالرغم أنهم يُخفون القوة خلف ذلك.
من هذه المنطلقات فإن أنصار الله يلبسون حلة دينية بمظهر شعبي، في موقف متناقض يظهر بين أفعالهم وأقوالهم، خاصة باستخدام القوة، وهذا ما يجعل خصومهم القبليين والدينيين يعملون على إظهار الحوثيين عمليا بأنهم:
1- حركة مسلحة ذات أساس عرقي (هاشمي)، تسعى لإعادة حكم الإمامة، وتصنع التمييز ضد غير الهاشميين، وتعادي فكرة الحكومة والجمهورية.
2- إن العمل المسلح لأنصار الله تضعهم في موقف أنها كحركة تريد أن تكون دولة داخل الدولة أو فوقها، وأن انتصاراتهم في الشمال أظهر انتقاماتهم ضد خصومهم القبليين والسياسيين.
3- بعد إحراز التقدم الذي صنعه أنصار الله على الأرض، والتهديدات التي أطلقوها ضد الحكومة، يعطي تصورا قويا بأنهم يستثمرون الأوضاع المتردية للانقضاض على السلطة السياسية والحكومة اليمنية.
إذا بالمقارنة بين العوامل التي تشكل الجانب الايجابي لصالح أنصار الله وتسند موقفهم.. وبين العوامل السلبية التي تعيق تقدمهم، فإن العمل السياسي والطريقة التي يديرون بها اللعبة الحالية قد وصل إلى أقصى مداه بحصار العاصمة صنعاء.. وعند اجتياحها بقوة الضغط العسكري فهذا يسبب لهم مخاطر عديدة وربما كارثية عليهم في حالة الاجتياح المسلح، كون العاصمة صنعاء هي المعيار الحرج بين سرعة الاجتياح الذي بدأه أنصار الله من دماج، وحتى الاقتراب من أبواب صنعاء.. هنا تتدخل الكوابح المهددة للحوثيين، منها:
1- أن صنعاء مدينة، كما جرت العادة، لا تفتح عنوة إلا من أجل السلب والنهب، وهي الطريقة التي تشترك القبائل مجتمعة في اقتحامها بالرغم من أنها طريقة قديمة لا تتناسب مع الوضع الحالي.
2- أن صنعاء خليط ومزيج سكاني متعدد المشارب والأطياف، وفيها كل المصالح العامة والخاصة، لذا فإن الجميع سيقفون ضد هذا الاقتحام، وستكون بعض من القوات العسكرية والأمنية الحكومية في خط تماس ومواجهة معها، يسندها خصوم أنصار الله، وقد تتحول إلى حرب طاحنة، وهذا يعقّد تحقيق الانتصار الحاسم من قبل الجماعة.
3- أن دول الجوار لها يد طولى في اليمن، لا تسمح بأي شكل من الأشكال تقدم الحوثيين إلى داخل العاصمة مطلقا مهما كانت الذرائع والمسببات.. لهذا ستعمل هذه الدول مع مجلس الأمن المتواجد على خط الأزمة على وقف هذا التقدم، خاصة عندما يكون بقوة السلاح.
4- إن العاصمة صنعاء آخر المعاقل وأهمها، لا بد أن تتحالف الكثير من القوى السياسية والاجتماعية لحمايتها وحماية كياناتها فيها.
5- أن وصول أنصار الله إلى أبواب صنعاء سيخلق متغيرات سياسية جديدة.. مع أن انتصاراتهم السابقة كانت تعتمد إلى حد كبير على معاهدات عدم الاعتداء والتحالفات المؤقتة مع الشيوخ في تلك المناطق، لكن عند الاقتراب من العاصمة فستتحول القبائل إلى الضد تجاه احتلال المركز، وهذا يمثل جانبا تاريخيا تمرس عليه المجتمع اليمني منذ القدم.
6- هذا المتغير في وضع أنصار الله لحصار العاصمة أصبح معيار دقيق يخضع لحساسية التوازنات بين القوى والقبائل ومراكز الصراع الأخرى.
إزاء هذه التطورات لا بد من وضع الاعتبارات في طريقة اقتحامهم العاصمة.. من خلال التالي:
1- يتطلب من أنصار الله التحرك بحذر تجاه التوازنات الجديدة ومراعاة التغير المفاجئ في موقف القبائل والمشايخ التي عقدت معها معاهدات هدنة.
2- لا يمكن لأنصار الله أن يحققوا هدفهم في اكتساح العاصمة ما لم يكن لديهم تحالف مع قوى وأطراف قبلية وسياسية مثل الأحزاب بغض النظر عن حزب الإصلاح لأنه مستهدف.
3- على أنصار الله إغفال موقف الأحزاب السياسية أثناء حروب الدولة معها.
بحيث لا يتذرع أنصار الله بالمواقف السلبية باستخدام القوة لاقتحام العاصمة باسم الشعب.
4- استخدام القوة المجردة والإفراط في التحدي يهيج ردة الفعل لدى ممثلي القبائل والقوى السياسية داخل العاصمة، ويثير الماضي بجانبه السلبي معهم.
5- لا بد من إيجاد آليات واضحة ومحددة ومتفق عليها مع القوى السياسية المتحالفة معهم لإصلاح الأوضاع العامة في البلاد والعمل من خلالها.
6- على أنصار الله مراعاة حساب الوقت، والتريث أكثر سيتحول إلى خسارة ضدهم ويقلص الفرص جراء الاختراقات أو من خلال الانسحابات التي قد تحدث.
تجاه هذا الوضع المعقد والمتشابك فإن سياسة السلطة اليمنية في إدارة الأزمة غير موفقة؛ فهي تقوم بتصعيد الأزمة، وهذا محسوب عليها وليس لها، فتقوم بقطع التيار الكهربائي، وقطع المياه، والتمترس للمحافظة على الفاسدين لتبقى الأوضاع على حالها، وهذا ما يزيد مقت وكره المجتمع للسلطة والحكومة، كما أنه يضعف الدولة أكثر.. بعد أن وصلت الأمور إلى حدود لا يمكن أن يقبلها إلا الفاسدون، فإذا لم يكن أنصار الله قد استثمروا هذا الوضع السيئ، فستجد من يستثمره من أطراف وقوى أخرى، ما لم فستتدهور الأمور إلى الأسوأ، بدلا من أن يستثمرها رجال السلطة ومراكز النفوذ للمحافظة على ماء الوجه، باستغلال التسويات السياسية والدعم الخارجي والمبادرات السياسية لإصلاح الأوضاع، وكذا المطالب الشعبية التي استمثرها الحوثيون.. لكن الحقيقة أن الفساد قد وصل إلى ضمائر وأفئدة المتسلطين وأصحاب المنافع في السلطة، فلا ينفع معهم مبادرات تسوية، بل الحل يكون باقتلاعهم ومحاسبتهم ليكونوا عبرة لمن خلفهم ولمن يحكم في المستقبل، وهذا هو التوجه الحالي لأنصار الله في ملاحقة الفاسدين، وهو التوجه الأكثر احتمالا الآن..
وهكذا كعادتهم كما يماطلون بالإصلاحات المستحقة حاليا، يماطلون بحل القضية الجنوبية ليستثمروا عبثهم ونهبهم للأرض والإنسان الجنوبي، فعليهم معرفة أنه ليس هناك من حل لقضية الوحدة إلا برضا وقناعة المتوحدين، والشعب الجنوبي قد حزم أمره، وعلى كل من يملك عقلا أو فهما أو تجربة من الذين يصلون إلى زمام السلطة، عليهم بعد هذا التغيير أن يعلموا بأن حل القضية الجنوبية تعتبر من أولويات الحلول المطلوبة لإصلاح وتغيير الأوضاع في الجمهورية اليمنية، والشعب الجنوبي ينتظر نهاية للصراع الجاري بإعطائه حقه السياسي، والمتمثل بالحصول على دولته، فمن يفكر بغير ذلك فهو يريد أن تستمر الأزمة والصراع إلى ما لا نهاية لهما، ليجني ثمرتها الشعبان في الشمال والجنوب.
والله ولي التوفيق.

* عن الوسط